نعم انا مريض
د. نيگار حسين حسن
تقع عليا البشر الكثير من المسؤليات في حياتنا , ونحن مسؤلون عن الكلام الذي نطلقه , فيجب أن نكون حذرين و منتبهين في إختبار الألفاظ والكلمات التي نستعملها يومياََ.
من المهم أن نفهم انه عندما لا يكون لدينا معلومات جيدة وكافية عن موضوع ما أو ظاهرة ما , علينا أن لانتكلم فيها , لأننا إذا تكلمناوتناقشنا في موضوع لم نبحث عنه جيداََ بأنفسنا وانما سمعنا شيئاََ عنه فقط ممن حولنا , فربما نقع في الخطأ ونفسر الحالة بصورة خاطئة.
(الكلمات تسقط مثل قطرات المطر , فإذا كانت طاهرة و صافية مثله فقد تؤثر وتثمر , فمثلما تنبت المطر العشب و تحضر الأرض , كذلك الكلمات تسقي و تربى الأنسان و تنمية ).
الكلمات هي مؤثرات وهذه الكلمات نفسها تُكوّن الجملة فتؤثر وتُنمي الشخصية , فإذا كانت الكلمات قوية و فعالة فقد تكون اسس راسخة فيما بعد للجمل و التعابير .
في كثير من الحالات كنت حزينا و مهموماََ ولكن الكلمات الجميلة المؤملة أعادت السبمة الى شفتي مرة أخرى , وقد تكون الكلمات مشرقة حاضنة للامال فتغير كيفية تفكيرنا ونظرتنا للحياة.
كم مرة تعبت و توقفت عن المسير , ولكن الكلمات والعبارات هي من أعطتني خلاصة درس في الحياة وجعلتني ابدأ من جديد بخطوات أقوى و أحسن بإتجاه تحقيق اهدافي .
فإذا أدركنا ذلك فلنحاول أن نفهم المواضيع والحالات ونتفهمها لنحترم آراء وتوجهات الآخرين , ولنلتزم بالآحترام في نقاشاتنا و نجسد ذلك في أفعالنا وحياتنا اليومية , لكي تكون الأنسانية أجمل و أقوى.
(نعم أنا مريض )إنها رسالة للإنسانية , نعم أنا مريض , مجموعة وخلاصة تلك الكلمات والتصرفات التي تَوَجَه الى شخص عنده مرض نفسي و تجعله يخفي مرضه من الناس.
هل تسألت و فكرت ذات مرةََ أن تقول أنا مريض؟ كم هي صعبة بالنسبة لشخص عنده مرض نفسي , في حين أن الشخص المصاب بمرض السرطان أو أي مرض عضوي آخر , يقولها بصراحة ( أنا مريض ) دون خجل من ظروفه و مرضه , بليقاوم ويعالج حالته المرضية , وفي النهاية ينتصر على مرضه.
فلماذا لانستمع الى تلك الأصوات المتحدثة عن المرض النفسي ؟!!
فأن هؤلاء الأشخاص إضافةََ الى صعوبات و مشاكل الحياة التي تواجههم و تحيط بهم , عليهم مواجهة حالاتهم النفسية و أفكارهم كي يتمكنوا من الأستمرار .
هؤلاء الأشخاص قد يكونون ناجحين في حياتهم العملية , ونحن نرى نجاحاتهم و ابتساماتهم فقط , غافلين عن مرضهم النفسي وما يعانونه , غافلين عن قطرات دموعهم الليلية المتساقطة أمام نافذة غرفتهم .
بالرغم من ذلك لكل واحد منهم له هدف وأمل في الحياة يسعى لتحقيقه , ولكنه مع مواجهته للصعوبات التي تعرقل مسيرته في الخارج , فأنه يجب عليه مواجهة مرضه في الداخل والتعامل معه وذلك بتعاطي العلاج اللازم , والتحلي بأرادة قوية وثقة بنفس عالية والأيمان بأنه يستطيع أن يبدأ حياةَ طبيعية من جديد , وهذا يجعله قوياَ , وبذلك يحول الخوف الى القوة فيحقق مستقبلاََ مليئاََ بالهدوء والسعادة.
بالاضافة الى ذلك فأن تفهم المجتمع ومساعدتهم أمرٌ مهم و ضروري للغاية حتى يستردوا قواهم و يواجهوا مرضهم لينتصروا عليه.
من المؤسف اننا لانسمع تلك الأصوات ولا نرى تلك الحالات …. لماذا ؟!!
لأن نظرتنا للأمراض النفسية نظرة خاطئة , الآن يُستعمل كلمة (مجنون ) لهؤلاء الأشخاص و يُتعامل معهم بصورة غريبة و مختلفة .
و بسبب تلك النظرة الغير الصحيحة لهم من قبل كثير من الناس , جعل هولاء الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية أن يخفوا حالتهم المرضية و ذلك لخوفهم أن اكتشاف حالتهم هذا يجعلهم منبوذين و يسبب ابتعاد الناس عنهم .
كلنا نريد أن نظهر بمظاهر جميلة , نقف أمام المرآة وقتاَ طويلاَ , فننظر الى وجوهنا و ملابسنا حتى نتأكد من أناقتنا , نتفحص تنسيق ملابسنا شكلها و لونها مع حالتنا و ملامحنا .. إننا كذلك .
لكن أي منا يهتم بكلماته و جمالها و تنسيقها كأهتمامه بملابسه و أناقته هل كلامنا, تصرفاتنا و تعاملنا جميلة و أنيقة ؟
ماذا لو كنا نمشي تحت الأمطار الغزيرة مع ذلك الشخص الذي يسلك نفس الطريق و لايملك مظلة , فنتقاسم معه مظلتنا .
كل إنسان له ظروفه و حالته الخاصة به , لذلك يجب علينا احترام و تقدير ظروف كل شخص .
(جون ناش ) ذلك الشخص الذي لم يحصل على جائزة نوبل بأنجازاته العلمية فحسب , بل إن فلماَ ناجحاَ والذي يروي قصة حياته حصل على جائزة الأسكار.
إن قصة هذا العالم الرياضي المشهور (جون ناش ) كانت مختلفة , فكان عنده مرض شيزوفرينا , لكنه رغم ذلك إستطاع أن يبدع في مجالات و طرق جديدة في علم الرياضيات , إنه كان يعاني من مرض نفسي استطاع أن يصبح عالماَ و مبدعاَ في مجاله واستفاد من إنجازاته الكثيرون.
نيگار حسين حسن
طالبة في جامعة السليمانية