اليمن بين التأريخ الاستراتيجي وفيدرالية التقسيم الرباعي: نحو تصور جديد لمفهوم الدولة المدنية
د. جمال الهاشمي
تمهيد:
انطلاقا من فلسفة التاريخ الاستراتيجي في قراءة الواقع اليمني من منظوره التأريخي والاستشرافي ويعد التأريخ الاستراتيجي مدخلا منهجيا مهما لاستشراف المستقبل من خلال المقاومات التالية:
– السيرورة التأريخية
– التحولات القيمية.
– التطورات الثقافية.
– المتغيرات الفكرية.
– الصيرورة المكانية.
وسأعمل على اختزال التاريخ العام باستخدام هذا المدخل المنهجي المؤصل تأصيلا معرفيا لدراسة اليمن من خلال النماذج لتوليد نموذج استشرافي لبناء الدولة المستقبلية.
الإطار النظري:
تعد اليمن قبل الإسلام كما هي في الإسلام وفي عالم الحداثة المدنية المعاصرة حالة استثنائية في الأعراف والنفسيات والثقافات والمعتقدات، و لفهم جدلية المركز والهامش في المجتمعات الإنسانية ، فإن دراسة اليمن يعد الأصعب على الرغم من التجانس الكبير بين مكونات شعبه في كثير من الأصوليات الدينية والقبلية والتاريخية.
إلا أن الأزمة الفعلية تكمن في المصالح التي تمثلها الثقافة القبلية كمحضن تربوي زرع في أفراد القبيلة المصلحة الذاتية وبذلك تكاملت بهذا التكوين بين نزعة الذات الجماعية القبلية ونزعة الذاتية الأنانية ليس بين القبائل وبعضها وإن كانت ظاهرة اجتماعية متعمقة في المكونات القبلية، وإنما داخل القبيلة والأفراد حيث التنافس على الزعامة القبلية يعد من أبرز التحديات التي تواجه النظام القبلي، كما أن النزعات القبلية كهويات تقليدية محلية تهدد الدولة.
ويعود ذلك بالأساس إلى غياب الرؤى الاستراتيجية في الدولة المركزية وغيبا منهجية التوازن من جهة والتكييف والتغيير من جهة ثانية، وهو ما جعل اليمن دولة ممزقة بين المركز والهامش، وكلما زاد نفوذ الأطراف أضعفت القلب والمركز وانهارت الدولة ليس في هذا التاريخ المعاصر وإنما منذ بداية وجود الإنسان في اليمن.
فاليمن ليست سلسلة من القبائل المتفرقة فقط وإنما هي حضارة مركبة تتكون من ممالك مركزية قوية متفاعلة مع شبكة من الولاءات القبلية، وكل مملكة تمثل داخل هذا الحيز الجغرافي المنفصل طبيعيا كيانا سياديا يمتلك أدوات إدارة الموارد والسلطة السياسية والتنظيم الاجتماعي من سبأ التي فرت من الانقسام نحو الإسلام النبوي بقيادة سليمان (عليه السلام) ومن التحرر في مواجهة الروم إلى اعتناق اليهودية كثقافة مقاومة للموروث المسيحي، ومن البحث عن الاستقلال من هيمنة الروم إلى البحث عن الخلاص الكسروي، ومن رغائب الاستقلال عن الفرس إلى الخلاص بالإسلام.
وكذلك معين وقتبان وحمير لم التي كونت مؤسسات حضارية و طورت نظما إدارية واقتصادية وعسكرية معقدة قادرة على استثمار الموارد الطبيعية؛ مثل الزراعة في السهول والأودية والتجارة عبر الموانئ والطرق التجارية الداخلية والخارجية.
ومع ذلك كانت هذه القوة المركزية محدودة بنطاقها إذ لم يكن بالإمكان تجاوز الهامش القبلي؛ فالأقيال والقبائل داخل الممالك حافظوا على استقلالية نسبية، واتسمت الولاءات بالتغير والتقلبات وفق المصالح والتحالفات الاستراتيجية.
هذا النموذج يعكس جدلية المركز والهامش؛ فالقوة المركزية تصمد أو تنهار بحسب قدرتها على التكيف مع متطلبات الهامش والهامش لم يكن حركة تمرد مقاومة بل هو عنصر فعال في استمرارية الحضارة نفسها.
ومعرفة التاريخ يؤطر لمعرفة الحاضر وهذا ما أسميه بالتاريخ الاستراتيجي الذي يعتمد الأصولية بكل جوانبها الحضارية والثقافية في فهم الحاضر، مولدا لهذا التأصيل في إطار البنية الحضارية التي تتجاوز علل التاريخ الاسترجاعي الذي يؤصل للانقسام أو التاريخ الرجعي الذي يؤسس للقومية العرقية، أو التاريخ الإخباري بشقيه الأسطوري والمحايد.
ومن هنا ندرك بأن السلطة في اليمن لم تكن مطلقة وإن طغى في الهوية اليمنية أنها كانت موحدة، حيث كانت الوحدة اليمنية من العوارض الزمنية في اليمن وليست أصلا من أصولياتها التاريخية، وإنما هي شبكة علاقات معقدة بين مؤسسات مركزية وقوى محلية متحررة، إذ كان كل طرف يسعى لتحقيق التوازن بين مصالحه الذاتية والمصلحة المشتركة للمملكة.
وهذا يشكل قاعدة لفهم الحالة اليمنية المعاصرة؛ أي مشروع الدولة المدنية التي تحتاج إلى إدراك واع بأن قوة المركز ترتبط بقدرته على التكيف والحوار والاعتراف بالهويات المحلية وأن محاولة فرض السيطرة بالقوة وحدها ستولد مقاومة مستمرة وانقسامات حادة.
ويمكن الاستشهاد بحوداث التاريخ اليمنية أو التأريخية -بحسب مصطحات الفكر التأصيلي المغاربي- حيث أن الممالك اليمنية القديمة لم تخلق حالة من الاستقرار المطلق وإنما اتسمت بحالة من التوازن الديناميكي بين المركز والهامش في إطار حاكمية المصلحة والقوة والتحالفات المتغيرة.
وقد أظهرت سبأ عبر سد مأرب وإدارة الموار قدرة مركزية على تنظيم المجتمع اقتصاديا وسياسيا .. لكنها لم تستطع فرض سيطرة كاملة على القبائل المحيطة بها مما يوضح محدودية السلطة المركزية أمام هويات المجتمع المعقدة.
ومملكة حمير توسعت عسكريا..لكنها في المقابل واجهت تحديات مستمرة في فرض سيادة كاملة على المناطق الشمالية أو الشرقية، مؤكدا على أن المركز يحتاج دائما للهامش للتكامل والاستمرارية وضمان عدالة السلطة والعدالة الاجتماعية وغياب السلطة المطلقة أو النظم الاستبدادية، وهذا ما أشار إليه تيودور الصقلي في معرض حديثة عن ثقافة العربي في الجزيرة العربية حيث كانت السلطة إسمية، أما في اليمن فقد ساهم أبرهة الحبشي ومن بعده الفرس في تأسيس سلطة عسكرية انعكست بظلالها على واقعنا المعاصر، وهو انحراف حقيقي عن النظم اليمنية التي كانت تعتمد الشورى والتوازن بين المركز والهامش.
هذه النظرة الفلسفية للتاريخ اليمني قبل الإسلام تؤكد أن الدولة ليست مجرد سلطة مركزية وإنما هي عملية جدلية مستمرة ثلاث عناصر أساسية؛ بين القوة والهوية والمصلحة.
إن اليمن القديم يقدم لنا درسا أساسيا في أن أي محاولات لبناء دولة مدنية حديثة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن التاريخ ليس سياق فسحب وإنما هو بنية معقدة تحدد إمكانيات النجاح والفشل وهذا هو خلاصة حديثنا عن التاريخ الاستراتيجي، وأن كل نموذج للسلطة يجب أن يوازن بين المركز والهامش والقوة والاعتراف والهيمنة والتمثيل مع رؤية استراتيجية لإحداث تغيير ممنهج لضمان بناء بنية وطنية مدنية واحدة بوسائل وثقافات مرجعية مختلفة.
ومع دخول الإسلام لم ينقطع اليمن عن سياق صراعاته التاريخية إذا استمرت السيرورة التاريخية بصيرورتها المعاصرة فانعكس التاريخ القديم على الواقع الجديد بأساليب أكثر تعقيدا وجدلية.
إن الصراعات قبل الإسلام كانت متعددة الأبعاد؛ صراع ديني بين الوثنية والمسيحية وهو ما أدى تحول جذري لعقيدة السلطة اليمنية نحو اليهودية ترتب عليها احتلال اليمن من دولة الحبشة، وهو ما أدى تحول الصراع من صراع ديني الى صراع حضاري وجيواستراتيجي بين
بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية باعتبار اليمن نقطة استراتيجية للتجارة والسيطرة الإقليمية وترتب عليها هيمنة الثقافة المجوسية على المركز صنعاء واستمرت هذه الثقافة بعد ذلك لتصبح اليمن تابعا للدولة الفارسية مع مقاومة مستمرة بين المركز والهامش وانقسام القبائل والأقيال فيما بينهم بحسب المصالح المحلية والنزعات الفردية في التنافس على السلطة، هذه الديناميات خلقت في اليمن نموذجا للحضارة التي تواجه تحديات الهامش والهويات المحلية مع إمكانية التحالف أو المقاومة بحسب المصالح.
وبعد الإسلام تغيرت ملامح هذه الصراعات لكنها لم تفقد طبيعتها الجدلية، إذ تحول المركز من قوة سياسية إلى قوة دينية–سياسية داخل منظومة الفكر الاجتماعي الإسلامي وهو انفصال طبيعي عن الفكر السياسي للدولة أو السياسة الشرعية التي تشكلت بمنظومة الإسلام المدني، ومن ثم تطورت الهويات المحلية لتتخذ نمطية الولاءات المذهبية والعقائدية.
وبسبب خصائص اليمن الجغرافية والاجتماعية أصبحت ساحة صراع مركب بين المركزية داخل الإسلام والهويات المحلية، هذا الصراع لم يعد دينيا بل أصبح صراعا عقائديا–سياسيا جهويا وهو ما أدى بعد تحرير الفكر الإسلامي لليمن من هيمنة الفرس إلى استعادة الوثنية التاريخية مع الأسود العنسي ولم يتمكن من الاستمرار لأن البعد القيمي في اليمن أو البعد الديني يعد أهم مكون للثقافة اليمنية عبر التاريخ وأقوى من السلطة السياسية وأهم مرجعياتها التي شكلت مبادئها وصلابة اليمني القيمي الذي أصبح بعد ذلك مادة الإسلام ومادة الحضارات الإسلامية من دمشق إلى بغداد والأندلس.
وهذا ما يجعل اليمن بخصائصها الجغرافية قيمة أصولية متحدية ومقاومة للتقلبات وفي حراك مستمر بين التغلب على الجغرافيا أو الدفاع عن القيم والأصالة.
وتمثل دويلات اليمن الإسلامية المختلفة أمثلة واضحة لهذه الجدلية، فالدولة الزيادية والزيدية والدولة الحاتمية وبني نجاح و الصليحية والرسولية والأيوبية والطاهرية والزريعية، وآل مهدي، كلها أثبتت أن السلطة المركزية كانت دائما بحاجة للتكيف مع الهامش وأن الولاءات المحلية تتحول إلى أدوات للحفاظ على السلطة أو لتحديها.
ولم تكن الصراعات العقائدية مسألة دينية داخلية فحسب وإنما كانت من أدوات النفوذ السياسي واكتساب الشرعية وإعادة إنتاج الصراع التاريخي بين المركز والهامش و بين القوة والسيادة و بين الولاء والتمرد، وهذه الثقافة الجمعية هي ساهمت في ابتعاث الإحزاب الإسلامية أو الأسلمة ومفاهيم الإسلامي السياسي لمواجهة الفكر القومي وتحديات الثقافة الرجعية القائمة على الهوية التاريخية وتقديمها بحسب أفكار الحزب على القيم الدينية، والفرق بينهما في أن الأحزاب القومية تدرس الإسلام من خلال الفلسفة الوافدة بشقيها التاريخي والمعاصر. أما الإسلام السياسي فيكيف الفلسفة المعاصرة بالقيم المذهبية والعقدية والدينية، ويتنوع التكيف بين تطابق المفاهيم أو مقاربتها أو التوفيق والاضافة أو الرفض المطلق وفي كلا النمطين كان التطرف يأخذ أبعادا مختلفة أضر بالتوازن المنهجي مما أوجد في اليمن ثقافة صراعية متطرفة، ساهم المثقف المعاصر في تشويهها وتطريفها كانعكاس نفسي للأحداث المعاصرة أضرت بقيم العدالة والهوية والأنسنة والمدنية.
ويؤكد هذا التاريخ أن الدولة في اليمن لم تكن سلطة مركزية بقدر ما هي مشروع حضاري جدلي مستمر لا يمكن تحقيق الاستقرار واستعادة الدولة إلا عبر التكيف المستمر مع الهويات المحلية والاعتراف بجدلية السلطة والهامش.
كما أن الصراع العقائدي يعد أداة لإعادة التوازن بين المركز والهامش وتعبير عن استمرار التاريخ القديم في صياغة السياسة الحديثة، وهنا لا بد من ثقيف الحوار العقائدي بقيم أصولية إسلامية وإنسانية وأخلاقية ونقدية منهجية، ومن ثم نقل الصراع من سمة العنف الى ثقافة الحوار المنهجي، ولا يحق لأي محاور الدخول فيه ما لم يحز على شهادة متخصصة تؤهله علميا وثقافيا وفكريا ومنهجيا، لضمان إخراج التافهين من هذا المجال وتنقية الثقافة اليمنية من التفاهات السائدة.
ومن ثم فإن فهم مشروع الدولة المدنية في اليمن يتطلب فهما لهذه الخصوصية اليمنية، فالقوة ليست فقط للسيطرة و إنما في القدرة على تحويل الاختلاف العقائدي والتنوع المحلي إلى قوة تنظيمية للبناء الاجتماعي والسياسي.
وعبر السيرورة الزمنية وتصييراتها المكانية انعكست جدلية المركز والهامش والتنوع العقائدي على واقع اليمن الحديث ولم تعد الانقسامات في الصراع على السلطة وإنما تحولت إلى شبكة متعددة الأبعاد من الولاءات العقدية والفكرية والجهوية والقبلية التي تتفاعل باستقلالية مع النفوذ العسكري والأجندات الدولية والإقليمية.
في اليمن يمتد الطيف المذهبي من الزيدية إلى الصوفية والسلفية والإسماعيلية مع وجود اتجاهات حديثة علمانية وأيديولوجية ويشهد نزعات استقلالية في المهرة وحضرموت وعدن والضالع جميعها تنبع من إرث الممالك التاريخية والهوية الجهوية المستمرة والعقدية.
وترسم الميليشيات المسلحة الحديثة خارطة اليمن وهو التعبير الأكثر وضوحا عن استمرار النمط القديم بصيغ معاصرة، وهذه القوى مرتبطة غالبا بدعم خارجي مباشر وغير مباشر، حيث توظف الأيديولوجيات السياسية والدينية لتحقيق مصالحها، ما يجعل السيطرة المركزية التقليدية صعبا للغاية.
إن التاريخ في اليمن يعيد نفسه بصور متقاربة وبظروف ومتغيرات جديدة، فما كان يتحقق عبر الولاءات القبلية والتحالفات المحلية أصبح اليوم مرتبطا بالدعم المالي والتسليح والضغوط الإقليمية والدولية.
وهذا يعكس حقيقة السمات المجتمعية والشخصية اليمنية، وأن الدولة المدنية اليمنية لا يمكن أن تبنى على فرض الهيمنة أو السيطرة المطلقة وإنما على شبكة من الاعترافات المتبادلة والحوكمة التوافقية.
إن الهويات المحلية ليست أطرافا ضعيفة يمكن التهامها وإنما هي عناصر نشطة في بناء السلطة أو إعادة إنتاجها ويكمن التحدي في تحويل هذه الشبكة من مصدر انقسام إلى قاعدة للاستقرار والشرعية؛ أي أن الدولة المدنية يجب أن تدرك أن تشكيلها يجب أن يفهم كمشروع حضاري وجدلي يتفاعل مع التاريخ والقي والجغرافيا والهوية، وهذا الفهم سيحول نظرتنا للأطراف كقيمة استراتيجية وليست كأدوات هدم وتهديد للدولة المدنية، وهنا تأتي دور المؤسسات والحقوق والعدالة والقيم في إعادة رسم خارطة للمصالحة الحقيقية والعملية وليست المصالحات الانتهازية والإعلامية.
كما أن الأيديولوجيات الحديثة—الناصرية، البعثية، الاشتراكية والإسلام السياسي—ليست عناصر خارجية ، وإنما تتداخل مع الهويات المحلية لتعيد صياغة الولاءات متعددة الأبعاد مما يجعل أي محاولة للتوحيد المباشر غير قابلة للتحقيق، ما لم يعد فتح حوارات متعددة الدوائر وفق نسق وظيفي مدني أخلاقي يقارب التباين في مصلحة وطنية عامة .
و هنا يظهر عمق الصراع اليمني، فالتحدي ليس فقط سياسيا أو أمنيا بل يضاف إليه ليكون صراعا ثقافيا–فلسفيا، مما يستدعي القدرة على استيعاب التاريخ والاعتراف بالهويات المتعددة وإعادة صياغة السلطة بطريقة تجعل المركز والهامش شركاء في العملية المدنية.
وتواجه اليمن الحديثة تحديا مزدوجا؛ التحدي الداخلي المتمثل في الانقسامات المذهبية، القبلية، والجهوية، والتحدي الخارجي المتمثل في تدخلات القوى الإقليمية والدولية والميليشيات المسلحة.
هذه الانقسامات هي شبكة تاريخية، ثقافية، سياسية، جغرافية، تمتد جذورها إلى الممالك القديمة قبل الإسلام والصراعات العقائدية في العصور الإسلامية، وصولا إلى الأيديولوجيات الحديثة.
وهنا ندرك أن الدولة هي عملية حضارية جدلية تتسم بخصوصيات مختلفة قد تكون محلية منغلقة وقد تكون قابلة لأن تكون عالمية وإنسانية حيث الشرعية الحقيقية تبنى عبر الاعتراف بالاختلاف وإعادة توجيه الولاءات التاريخية نحو هدف مشترك، وهنا نجد نماذج تاريخية ساهم اليمنيون في تشكيلها، حيث نجد أن العراق كان امتداد متداخلا مع اليمن ومع ذلك تمكنت الدولة العباسية من تأسيس مركز حضاري تحول عن خصوصيته المحلية المنغلقة مع المناذرة إلى قيمة حضارية عالمية كانت القبائل اليمنية والقيسية مادتها بالإضافة إلى الشعوب الأخرى.
وهنا نرى أن الانقسامات العميقة أثرت على الدولة المدنية بعدة مستويات:
- الشرعية السياسية: يجد المركز صعوبة في فرض سلطته على الهويات المحلية دون حوار مستمر؛ فالقبائل والمذاهب تطالب بالتمثيل والمشاركة ونظرا لعجز الشرعية السياسية أو السلطة من وضع مشروع يدرك خصوصية اليمن تحولت اليمن إلى صراعات مفتوحة وحركات انفصالية ملتهبة وكامنة.
- الأمن والاستقرار: إن الميليشيات المسلحة المرتبطة بالتحالفات الإقليمية والدعم الدولي تحافظ على قدرة الهامش في تحدي سلطة الشرعية أو المركز وهنا يبرز تحد آخر فأي محاولة لفرض السيطرة بالقوة سيؤدي إلى تصعيد مستمر.
- الهوية الوطنية: تشكلت الهوية اليمنية الجامعة في سياق تاريخي انتقائي لم يتحول إلى قيمة استراتيجية وفي المقابل يتنازع مع الهويات المحلية القوية وأن محاولة فرض هوية موحدة بالقوة ستؤدي إلى استقطاب مضاعف كما أن تجاهل الهويات المحلية سيؤدي إلى التفكك الاجتماعي والسياسي.
ومن هذا المنظور فإن أي مشروع مدني في اليمن يجب أن يعالج هذه الانقسامات ليس بالقمع والقوة، وإنما بالإدارة الذكية للهويات المحلية والتوازن بين المركز والهامش، وأن تتحول الدولة من جهاز فرض سلطة إلى شبكة تنسيق ديناميكية، حيث أن كل طرف تاريخي، حديث أو قبيلة وجماعة مذهبية وميليشيا أو حزب سياسي يشعر بالتمثيل والمشاركة ويصبح جزءا من مشروع حضاري مشترك، وأن ممارسة التهميش سيؤدي الى فوضى مستمرة والذي كان من أهم أسباب انفجار الثورة اليمنية التي كانت في الأصل ثورة الأطراف والهامش لمواجهة مركزية الثقافة العسكرية التي همشت الثقافة العامة للمجتمع والثقافة القبلية والمدنية في بعض المدن الحضرية.
وبناء على استشفاف التاريخ نضع قواعد لاستشرافه من خلال:
- الاعتراف بالهويات المحلية والجهوية، و السماح للقبائل والمذاهب والمناطق بالتمثيل السياسي والاقتصادي وفق نظام لامركزي مع الحفاظ على وحدة الدولة المدنية.
- تأسيس المؤسسات المدنية المشتركة وإنشاء هياكل توفر العدالة والمواطنة والحقوق المتساوية بحيث تكون الشرعية مستمدة من التمثيل والممارسة الفعلية ولس بالقوة وحدها.
- وضع آليات الحوكمة والتنسيق بين المركز والهامش عبر نظام يضمن توافق القرارات المركزية مع مصالح الهويات المحلية، مع اتباع آليات مراجعة مستمرة ومرنة.
- دمج القوى العسكرية ضمن الدولة وتحويل الميليشيات المسلحة من أدوات نفوذ خارجي إلى عناصر حماية وطنية مع رقابة صارمة على التدخلات الدولية والإقليمية.
- وضع قاعدة منهجية لتأسيس استراتيجية الهوية الوطنية الجامعة التي تستوعب الهويات المحلية والتنوع العقائدي بحيث تصبح الانقسامات مصدر قوة مدنية ومنصة للحوار والتطوير وليست تهديدا للاستقرار.
إن هذا الاقتراح لا يمثل خطة سياسية فيؤخذ به دون سياقات منهجية وإنما هو إطار ثقافي–تاريخي لبناء دولة مدنية متكاملة، لكي ندرك أن القوة هنا ليست في السيطرة وإنما في احترام الخصوصية و تحويل الاختلاف إلى مصدر استقرار وإنتاج سياسي واجتماعي واستغلال كل إرث تاريخي قبل الإسلام وفي العصور الإسلامية أو الحديثة كأداة لبناء مشروع مدني قادر على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية.
الإطار الإجرائي:
بعد أن النظرية يأتي الإجراء كإطار منهجي وسيط للمرحلة الثالثة من مراحل العملية المنهجية.
ونبدأ بمنهجية النقد لتصور الحوار الوطني ومشروع فدرلة اليمن بقيادة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، والذي اقترح تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم مع إبقاء صنعاء كعاصمة اتحادية محايدة على النحو التالي:
- حضرموت (حضرموت، المهرة، شبوة، سقطرى)
- سبأ (مأرب، الجوف، البيضاء)
- عدن (عدن، أبين، لحج، الضالع)
- الجند (تعز وإب)
- آزال (صعدة، عمران، صنعاء، ذمار)
- تهامة (الحديدة، ريمة، المحويت، حجة)
إن هذه الفكرة التي وضعت لم تكن موضوعية ضمن سياقات منهجية غائية ورؤى استراتيجية بعكس كان تعكس طبيعة التفكير الصراعي و النمطية الثقافية للمجتمع، والنزعات الذاتية الأناذية للفرد.
وتتركز هذه الفكرة الأساسية على توزيع السلطة والموارد بطريقة فيدرالية لتفادي المركزية التاريخية لصنعاء ومعالجة المطالب الإقليمية، ويعتريها الكثير من القصور النظري والتطبيقي إضافة الى غياب المشروع المدني للدولة والخطوات الاستراتيجية من خلال رؤيتنا النقدية لهذا التصور التوفيقي:
أ. تجاهل الديناميات الجغرافية والهوية الثقافية:
ان تقسيم الأقاليم اعتمد على الحدود الإدارية التقليدية أكثر من كونه تحليلا للهوية الحضارية والاجتماعية ما يخلق عدم توازن حضري بين أقاليم اليمن.
ب- أن هذا التقسيم يعزز الانقسامات الجهوية كونه لم يأخذ بعين الاعتبار المدن الكبرى كنماذج حضرية مؤثرة في الثقافة المدنية.
ب. أن هذا التصور يعمق الاستقطاب الطائفي والصراعات الأيدلوجية.
فالإقليم الشمالي (آزال) يضم صعدة والمرتفعات الزيدية بينما الجند يضم تعز وإب وهذا يعزز الهوية المذهبية والقبلية في الشمال ويغذي الانقسامات التاريخية.
ج- التركيز على صنعاء كعاصمة محايدة لم يكن كافيا لتخفيف التوترات كونه موقع رمزي دون أدوات عملية لإدارة الاختلافات الحضارية والطائفية.
ج. غياب العدالة الاقتصادية، إن الأقاليم الشمالية والغربية أكثر كثافة سكانية بينما الأقاليم الغنية بالموارد الطبيعية مثل حضرموت والمهرة تعاني من ضعف الكثافة السكانية مع اتساع الجغرافيا التي تحتاج الى موارد بشرية في حال كان هناك نموذجا مؤسسا للإدارة المدنية.
وهذا الخلل يولد تفاوتا اقتصاديا هيكليا قد يؤدي إلى تفاقم الشعور بالظلم بين الأقاليم ويزيد من النزاعات المستقبلية.
د. غياب الاستراتيجية الحضارية، حيث أن النظام المقترح لا يقدم نموذجا حضريا مدنيا يمكن أن يؤثر على بقية الأقاليم، فالمدن الكبرى لم يتم التعامل معها كنماذج حضرية قادرة على نشر الثقافة المدنية بينما التمركز في صنعاء يعزز المركزية القديمة تاريخيا.
هـ. غياب أدوات التنفيذ، ان الرؤية لم تحدد آليات واضحة لحل النزاعات بين الأقاليم و توزيع السلطة وصلاحيات المركز والأقاليم.
وبدون هذه الآليات يصبح التقسيم عبارة عن إطار شكلي أكثر من كونه خطة عملية لتحقيق دولة فيدرالية مستقرة.
إن فكرة الفيدرالية صحيحة من الناحية النظرية لكن يجب أن تدخل في سياق الخصوصية اليمنية التي اعتمدت نموذج الولايات منذ فكر الإسلام، وهناك اختلاف بين النموذجين ومقاربات بينهما، مما يتطلب منا تحديث النموذج بما يتناسب مع الخصوصية اليمنية، أما من حيث أهميتها فهي تعترف بالتعدد والتنوع لكنها ضعيفة من الناحية التطبيقية والإجرائية بسبب تجاهل الهويات المحلية والتفاوت الاقتصادي وغياب آليات الحل الفعلي للنزاعات إذ تحتاج الفكرة إلى إعادة تصميم حضري، تاريخي، اقتصادي، بحيث:
- تعطي المدن الكبرى دورا حضريا في الثقافة والسياسة.
- توازن الموارد بين الأقاليم لضمان العدالة.
- تمنح المركز أدوات فعالة لإدارة النزاعات والتنسيق بين الأقاليم.
إن الفيدرالية ليس المقصود منها التقمص الشكلي والتقليد الأعمى للنماذج الناجحة في عمليات التقسيم الإداري بقدر ما هي أداة لإعادة بناء الدولة اليمنية عبر عدة عمليات:
- تحويل التنوع التاريخي والطائفي والقبلي إلى قوة إنتاجية بدلا من عامل من استثمار الصراعات في توسيع فجوة الخلاف.
- تمدين الأقاليم، خاصة الشمالية من خلال النموذج الحضري.
- ضمان العدالة الاقتصادية والسياسية بين الأقاليم الغنية والفقيرة، الكبيرة والصغيرة.
- إنشاء مركز فيدرالي حيادي قادر على التنسيق وإدارة النزاعات.
وهنا نقدم تصورا فيدراليا يضع أسس بناء الدولة اليمنية ويحولها من دولة مدنية إلى قيمة حضارية قادرة على إثراء العالم الإنساني وفاعليتها الدولية.
ومن هنا فإن التقسيم بني على عدة أهداف مرحلية يمكن تفصيلها لاحقا:
- الهدف الأول استعادة الدولة بنمط جديد يراعي الخصوصية والاتختلاف بما يتناسب مع طبيعة التحولات العالمية وتداخل المصالح العالمية.
- الهدف الثاني تأسيس البنية الثقافية وهي الرؤية التي ستعمل على مقاربة منهجية يساهم في تمدين المجتمعات اليمنية من خلال النموذج مع أهمية الحفاظ على التنوع والخصوصيات المحلية في طار تأصيل قيم كلية مشتركة للدولة.
- تأسيس البنية الحضارية وذلك بإعادة خلق القيم المادية العالمية التي تعد ذات أهمية في إحداث التقدم ولكن من خلال الخصوصية اليمنية عبر مداخلها المنهجية.
- التطوير الاستراتيجي وهي آلية عملية تقارب بين النظر والواقع عبر أدوات منهجية متطورة لتمكين اليمن من أداء دورها الإقليمي والدولي والعالمي.
الرؤية الجديدة في عمليات التقسيم الفيدرالي:
إن هذه الرؤية ستعتمد على معايير حضارية تكون ضابطا مهما لتوليد حضارة مستقبلية تأخذ اليمن في تحول تاريخي يفصلها عن التاريخ كنتيجة له لتكون منتج له في استشراف لا ينسى الماضي ولا يسكن فيه، وهنا تكمن استراتيجية التغيير في احداث التحول المطلوب، وبدلا من تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم تعيد تكرار الأزمات الصراعية التاريخية عبر إحداث أقاليم مركزية وأخرى على الهامش، فإننا سنتخزل الأقاليم إلى أربعة أقاليم بحيث نؤسس لها مساقات علمية عملية تعمل على تحقيق تكامل بنيوي بما يؤسس للثقافة العامة والهوية الجامعة ويختزل فيها الثقافات المحلية
على أساس أربع مقاربات استراتيجية:
- المقاربة الثقافية
- المقاربة الجغرافية
- المقاربة السيكولوجية
- المقاربة الاقتصادية.
وهنا نضع تصورنا المنهجي للأقاليم (ويمكننا تحويله من دراسة كمية كيفية تعتمد البيانات والمعطيات والأطر في تأسس سبع استراتيجيات عملية تضمن لكل مواطن المساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز وهذا مشروع دولة وإرادة قيادة مدنية قادرة ومستقلة).
وهنا سنقسم الأقاليم اليمنية إلى صنفين، أقاليم حضرية لديه قابلية مدنية، وأقاليم تقليدية بهويات محلية مختلفة:
أولا: منطقة القلب الجغرافي، وهو الإقليم الحضري الساحلي الغربي والجنوبي لليمن ويمتد من الحديدة وحتى عدن ويضم بعضا من حجة والحديدة وتعز ولحج وعدن وأجزاء من إب و ريمة والضالع.
والغاية من هذا التقسيم هو توحيد المدن الكبرى التي تملك إرثا مدنيا وتجاريا وثقافيا قويا لإنشاء نموذج حضري مدني يمكنه التأثير على بقية الأقاليم في المستقبل ويتمتع بالحكم الذاتي و في التعليم والثقافة والسياسة المحلية مع تنسيق أمني واقتصادي مع المركز.
والتساؤل لماذا اختيار هذا التقسيم وما أهميته بالنسبة للدولة المدنية المنشودة؟
والإجابة على هذا السؤال يدفعنا لتحديد عدة نقاط علمية أهمها:
- أن تكون منطقة حياد جغرافي بين الشمال والجنوب وهو المبرر لتسميتنا له بالقلب الاستراتيجي.
- تعزيز النمو الحضري والمدني بعيدا عن النزاعات التاريخية في صنعاء، وهو ما يضمن للدولة المدنية الاستقرار والاستمرارية.
- قربه من الموانئ الدولية وهو ما يعزز التجارة والاقتصاد الوطني.
- ثقافته المدنية وهو ما يعزز خلق نموذج مدني قادر على التأثير والتطوير في المناطق القبلية.
وبهذا التعديل يصبح الإقليم الجنوبي الحضري موحدا وأكثر تماسكا ويعكس الخصوصية الحضارية والتاريخية للمدن الكبرى اليمنية مع تقليل التعقيدات الجغرافية والإدارية.
ثانيا: منطقة العمق الجغرافي وهو إقليم الداخل الممتد من إب وذمار وصنعاء والمحويت وعمران بالتسلسل وحتى صعدة وبعضا من البيضاء والجوف.
ويغلب على هذه الجغرافيا الطبيعة القبلية بينما هي كالقلب تتداخل فيها المعتقدات والأيدولوجيات والفارق بينهما في الهوية التي اعتمدنا عليها في التقسيم إلى هويات قبلية وأخرى حضرية والثانية خليط بينهما.
وإدارة الحكم بنفس ما ورد في إقليم القلب الاستراتيجي لليمن.
ثالثا: منطقة الربط الجغرافي وهو الإقليم الذي يوازن بين الثقافة الحضرية والقبلية ويضم أبين والبيضاء وشبوة ومأرب والجوف.
رابعا: منطقة الأطراف وتشمل حضرموت والمهرة، وهي المناطق التي تشكل نواة استراتيجية لتحقيق التكامل الإقليمي والتواصل الحضاري – الإنساني وأحد مراكز الاقتصاد الوطني.
ولها صلاحية الحكم الذاتي في إدارة الموارد والتنمية مع التنسيق مع المركز في السياسة الدفاعية والاقتصادية.
مبررات هذا التقسيم:
- تمدين الشمال من خلال تجسيد النموذج، باعتبار المدن الجنوبية الكبرى نموذجا حضريا للثقافة المدنية مما يخلق منافسة وتكاملا استراتيجيا في تنميط الدولة بثقافة المدنية وخصوصا في الأقاليم الشمالية.
- تحييد النزاعات التاريخية عن المركز بعيد عن أي منطقة مذهبية أو قبلية مما يقلل من صراع الهوية.
- توازن الموارد بين الأقاليم الغنية بالموارد الطبيعية التي لديها إدارة كاملة مع آليات لضمان العدالة الوطنية والرقابة والمحاسبة والمسؤولية الوطنية.
- دمج الحضارة والسياسة معا في الاقتصاد حيث أن المدن الكبرى الجنوبية هي مركز التجربة المدنية وتخلق تأثيرا حضريا على باقي الأقاليم.
معايير اختيار المركز الفيدرالي (العاصمة الفيدرالية).
إن المركز الفيدرالي يجب أن يحقق توازنا بين الجغرافيا والتاريخ والأمن والحياد بحيث يكون قادرا على:
- ضمان السيادة الوطنية وسهولة الوصول إلى كل الأقاليم مع القدرة على التنسيق الأمني والدفاعي.
- الحفاظ على الحياد بعيدا عن أي إقليم حضري أو قبلي يهيمن على المركز.
- الوصول إلى الموارد بحيث يكون قريبا من البنية التحتية والاقتصاد الوطني.
- الرمزية التاريخية مما يعكس استمرارية الدولة اليمنية ويكسب الشرعية الاجتماعية والثقافية.
- شبكة اتصال بين الأقاليم عبر شبكة تنسيق حضري بين الأقاليم التقليدية والمدن الحضارية الكبرى
- التوازن بين القديم والحديث حيث يمكن أن يكون المركز في صنعاء التاريخية مع امتداد حضري جديد يضم مؤسسات الفيدرالية أو أن ينشأ مركز جديد حيادي بين الشمال والجنوب.
وهنا نقترح نموذجين ويخضعان للاستفتاء الوطني:
- صنعاء: وتقع في قلب التاريخ اليمني و ولإداري للدولة اليمنية منذ القدم وهو مركز حضري متطور نسبيا ولديه بنية تحتية إدارية قوية وموقع جغرافي يسمح بالوصول إلى معظم الأقاليم.
إلا أن من سلبياته الكثافة السكانية والمذهبية والقبلية مما قد يتهم بالتحيز للهوية القبلية والجهوية على حساب الهويات الأخرى حيث أنه في وسط المرتفعات الشمالية ما قد يخلق استقطابا زيديا–قبليا.
- لحج مع توسيع أطرافها بين المدن المحيطة بها:
وتتميز بعدة إيجابيات منها موقع حيادي نسبيا بين الشمال والجنوب مما يخفف الانقسامات التاريخية، كما يمكن تصميمها كمدينة إدارية حديثة مع بنية تحتية خاصة للحكم الفيدرالي ويرمز إلى بداية جديدة للدولة الفيدرالية بعيدا عن ماضي الانقسامات كما أنها تقع بين عاصمتين تاريخيتين مهمتين.
أما سلبياتها فهو عدم وجود بنية تحتية مما يتطلب استثمارا كبيرا فيها وقد يكون بعيدا عن بعض الأقاليم الشمالية والشرقية ما يستدعي تنسيقا جيدا للربط الإداري.
ونؤكد على أهمية هذا الموقع من خلال المبررات التالية:
أولا: المبررات الجغرافية:
- الموقع الاستراتيجي، الذي يربط بين عدن ولحج ما يسهل الوصول إلى بقية الأقاليم الجنوبية والشمالية عبر الطرق الداخلية.
- الانفصال عن النزاعات الشمالية لأن وجود المركز في الجنوب يبعده عن صراعات المرتفعات الشمالية ويعطيه شعورا بالحياد والبدء الجديد.
- قربه من المدن الحضرية الكبرى؛ عدن، تعز، الحديدة، مما يجعل التواصل الاقتصادي والثقافي فعالا.
ثانيا: المبررات الفلسفية والسياسية
- الرمزية، إن الموقع مهما للتغيير و الانفتاح والحداثة لذا فإن الجنوب يقدم تجربة تاريخية حضرية واستقلالية، وتواجد العاصمة فيه بمثابة رسالة من الدولة المدنية والحداثية للتحولات المستقبلية.
- الحياد بين الأقاليم أي بين الشمال والوسط اللذان يمتلكان تاريخا قبليا ومذهبيا بينما هذا الموقع يرمز للحياد الحضري.
- دعم التنمية الاقتصادية، لأن قرب العاصمة من الموانئ الدولية يسهل التجارة ويحفز النمو الاقتصادي للبلاد.
ثالثا: المزايا العملية:
- التوازن بين الأقاليم، فالجنوب الحضري يمثل مركزا اقتصاديا وتجاريا متطورا، ويوازن بين الشمال القبلي والشرقي الصحراوي.
- تسهيل الحكم الذاتي الحضري حيث تتحكم تعز والحديدة وعدن في شؤونها الداخلية، والعاصمة بينهما تسهل عملية التنسيق.
- البنية التحتية القابلة للتطوير حيث يمكن إنشاء العاصمة الفيدرالية الجديدة بين عدن ولحج كمركز إداري حديث بعيدا عن الأحياء التاريخية القديمة، لتفادي الضغط السكاني.
أخيرا فإن وضع العاصمة في منطقة لحج–عدن يعكس فلسفة الحياد الحضري والتنمية المتوازنة ويعطي رمزية جديدة للدولة الفيدرالية اليمنية من خلال التوازن الاستراتيجي لتحقيق:
- وحدة الدولة دون فرض الهيمنة التاريخية لأي إقليم.
- احترام الهويات المحلية مع مركز قوي قادر على التنسيق الوطني.
- تعزيز النمو الاقتصادي والثقافي من الجنوب الحضري ليصبح نموذجا للتعددية والتعايش داخل الفيدرالية.
أما آليات ووسائل الوصول إلى هذا النموذج المدني فهي المرحلة الثالثة من التأطير المنهجي والأكثر أهمية وتفصيلاتها تخضع لعدة معايير ومقاييس مما يتطلب دورا مهما لرئاسة الدولة أو لأي قائد إصلاحي يمتلك القدرة على رعاية هذا المشروع والعمل به وتنفيذا تحقيقا لحلم اليمنيين في الداخل والخارج وأجيال المستقبل.