إن العلم الديني هو من العلوم التي توازن المسلم بين صلاح دينه ودنياه وآخراه، وأن العلم هو مفتاح الولوج إلى التقوى والعدل والورع وعلم الخشية، فالعلم النافع هو الذي يغير الإنسان وبهذا التغيير يكون قادرا على تغيير الآخرين وهو قياس تجريبي علم بالتجربة والواقع عبر تاريخ الأديان.

والله يقول: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

والاستطاعة هو بذل الوسع في طلب النجاة ، ولا نجاة إلا بحسن الطلب والمقاربة بين النص والطاعة ذلك أن تجسيد السلوك الواعي بالنص هو الفلاح، والتقوى هو البيئة الكبرى الحاضنة للعلم، والعلم من ثماره. ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، ولما كان العلم من ثماره كانت الخشية ثمرة لهذا العلم وهو المطلب الأعلى والغاية الأسمى ، والله يقول: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء ، والصحة الـأولى في التقوى  -وهو سلوك قبلي ملموس- تقود إلى صحة الخشية -وهو علم محسوس-، والعلاقة بين اللمس والحس كالعلاقة بين النص والممارسة، ولا يكون العالم عالما إلا بالتقوى والعلم والخشية.

وتعد المنهجية المعاصرة في الفكر الديني والفتاوى الدينية من أكثر الموضوعات التي تحتاج إلى مقاربة وتجديد وإعادة النقد والتأصيل والبناء المنهجي بما يحقق التغيير في سلوك الفرد والمجتمع المسلم من خلال برامج تغذية عقلانية تتكامل مع أصوليات الدين والأصولية الإنسانية  والخصوصيات والواقع بما يفتح فتح باب الذرائع  في التعاطي مع  المفاهيم الإشكالية التي صنفت حديثا ضمن المعتقدات وبناء عليه توسعت مساحات التكفير، وأضرت بقيم الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي.

ويؤسس البرنامج لآلية صناعة الفتوى التي تتناسب مع واقع الإمام ونظام الدولة وخصوصية المجتمعات العامة باعتبار الشريعة مصلحة كلها وعدل كلها ورحمة كلها.

ماهية البرنامج:

هو برنامج تعليمي متعدد الوسائط يعمل على تنمية ثقافة الفرد والأقليات بالقيم الإنسانية  والنظام والمواطنة والأمن والسلم المجتمعي، باعتبار الخصوصية والاختلاف والقوانين الدولية، وقوانين الدولة والثقافة العامة .

ويعمل البرنامج على :

  • تنمية الضبط الداخلي للفرد: والغاية منها تنمية قيم الحقوق والواجبات انطلاقا من ثقافة المسلم الدينية وخصوصيته العقائدية .
  • المساهمة في تحقيق الضبط الخارجي: من خلال بناء مجتمع قادر على تحقيق الضبط الجماعي للسلوك الفردي أو من خلال الثقافة العامة للمجتمع.

الأهمية:

يعد برنامج تكوين الأئمة من البرامج الدينية التي تحتاجها المجتمعات الإسلامية لمعالجة وضبط انحراف الخطاب الديني الإسلامي عن القيم الإنسانية والعدالة والموضوعية، وقد كان لهذا الخطاب آثاره التي هددت جغرافية العالم  بنزعات سلوكية تتخذ من الإسلام وسيلة من وسائل التعبئة العسكرية والعنف والإرهاب والفوضوية.

وتعد المعتقدات الدينية المعاصرة من المعتقدات الأكثر اضطرابا وتناقضا على مستوى الدولة، وهي أكثر تناقضا على المستوى الإقليمي والدولي، نظرا لتأرجحها بين التدين أو نحو الفكر الغربي نظرا لتقلبها بين مصلحتين:

الأولى: اكتساب الشرعية الدولية:

الثاني: تحقيق شرعيتها الوطنية:

وجميعها تعمل بوتيرة متسارعة حسب ما تفرضه مصالحها دون منهجية موضوعية؛ فمن الانفتاح المتطرف إلى الانغلاق المتطرف، ومن الصراع مع المعتقدات الوطنية إلى التحالف معها، وتوظيفها واستغلالها أو توجيهها نحو تدمير الأمن والسلم المجتمعي ،  أو تدمير الأمن الدولي من أجل كسب التأييد والدعم في مواجهة التطرف.

ويعد الدين الأكثر مرجعيا و تأثيرا في ثقافة الشعوب الإسلامية والأسيوية ولا يمكن أن يستمر الحاكم حاكما إلا به، وقد اختلطت العقائد الشرقية بالعمق الثقافي التاريخي والجغرافي والسياسي ، وتحولت من قوة فكرية ناعمة إلى هوية قومية انفصلت عن عالميتها والقيم الإنسانية، وقد تعاطت المعتقدات مع مفاهيم الديمقراطية والعلمانية والمدنية لمناهضة النظم السياسية والأحزاب السياسية النفعية، وتأول المفاهيم العقلانية والإنسانية بحسب مصالحها، كما تأول المعتقدات الدينية مما حرفها عن مبادئها الواضحة، وأثر ذلك تأثيرا سلبيا في شخصية المتدين والإمام خصوصا.

وهذه الممانعة بين الواقع والنص هي إشكالية منهجية وموضوعية مما جعلها في تصاعد مستمر ليس من جهة التدين فحسب إنما من جهة الصراع مع الفكر الليبرالي والقومي، والاختلاف بينهما ليس في الأهداف وإنما في الأطر وترتيب المصادر المرجعية.  ، وتتفق هذه التوجهات مع مقولة ميكافللي “الغاية تبرر الوسيلة” وهذا الجهل السياسي يرجع إلى إشكالية الخلط بين الوسائل والمصالح  والمبادئ، وهي الإشكالية نفسها التي يعاني منها المتدين المعاصر.

وقد ساهم في فشل الديمقراطية غياب الوعي الاستراتيجي الغربي بخصائص المنطقة العربية الدينية والعرفية والثقافية والجغرافية،  وتوافق سياسات كل من الأحزاب الإسلامية والقومية والسلطة السياسية في اعتبار الديمقراطية وسيلة من وسائل الحصول على الشرعية الدولية.

وهذا التناقض الفكري السياسي والديني من أهم أسباب تصاعد العنف الديني ، والصراع الثقافي، ومن أهم أسباب بقاء مفهوم الصليبية في العقل العربي القومي والديني، بما في ذلك وجود هذا المصطلح في ذهنية الأقليات المسيحية التي ترى الغرب معاديا لقيمها الدينية.

وكل هذه الموروثات الثقافية في منطقة الشرق الأوسط أثرت على الأقليات المسلمة مما أدى إلى تخلي البعض عن الإسلام عقيدة، وتمسكه به سلوكا وثقافة، وقد يقوده الشعور بالتيه والضياع إلى الانفصامية والاغتراب أو التمرد، بينما فضل البعض التكيف والبعض فضل الحياد والعزلة .

ومن جهة أخرى فإن المعتقد من الوسائل الرئيسية القادرة على تعميق مبادئ القيم الإنسانية والمدنية من مداخل النص الديني بآليات وأدوات عقلانية ومنطقية ومنهجية، وقد وضعنا برامجنا  آخذين بعين الاعتبار خصائص منطقة العالم الإسلامي وتنوعها واختلافها، وخصائص المجتمعات الغربية وثقافتها لتحقيق المقاربة من جهة المداخل الإنسانية وصناعة الفتاوى التي تتناسب مع المصلحة العامة بتوازن منهجي بين النص والواقع.

أهمية المشروع:

وتأتي أهمية المشروع من خلال سعيه لتأسيس فكر ديني يراعي الثقافة الأوروبية وخصوصياتها الحضارية والمدنية والسياسية   من خلال:

  • التجديد الفكري من داخل الخصوصيات البيئية والدينية، بما يتوافق مع فلسفة جديدة تنطلق من مفهوم الجغرافية الثقافية.
  • المقاربة الكلية بخطاب إنساني- عقلاني متوازن انطلاقا من المبادئ الكلية للعقل والأخلاق والفطرة والدين والواقع والمصالح المشتركة.
  • معالجة إشكالية الفكر الإنساني من مداخل الخصوصيات الثقافية والدينية والعقلانية والفلسفية والتي تتسم باستراتيجيات متدرجة تعمل على تذويب الخصوصيات في المفهوم العام على مستوى الفكر والنظرية، وإنزاله على الواقع بفتاوى دينية، وتحقيق التكامل بين النظرية والتطبيق.
  • التأصيل الفقهي لمفهوم المواطنة والعلمانية والديمقراطية وغيرها من المفاهيم الإشكالية في العقل المسلم بأدوات النص الديني و الواقع والقوانين والعادة والعرف.
  • تجفيف منابع التدين الأعمى والتطرف الفكري والإرهاب النابع من الإيمان من خلال معالجة الانفصام الثقافي والتمايز العرقي والديني والاغتراب الاجتماعي.
  • تعميق ثقافة الانتماء وتنمية الدور الوطني لخدمة المشاريع الاقتصادية والفكرية عبر برامج المصل والفصل المنهجي.
  • تأسيس مرجعية فقهية للأقليات المسلمة ينطلق من ثقافة الدولة وواقعها.
  • تأسيس مركز ثقافي تنويري إنساني من مداخل القيم الإسلامية وعدالتها .

الإشكالية:

يهدد التطرف الفكري المعاصر استقرار الدول والمجتمعات، وهي ظاهرة عالمية، ولكن وجودها في منطقة الشرق الأوسط  والعالم الإسلامي أكثر تهديدا، كونها منطقة هشة بين تيارات الثقافات الأسيوية ، والثقافة الأوربية ونرجع أبرز إشكاليات الأقليات في العالم الغربي إلى:

  • أن الخطاب الديني في الغرب وفي فرنسا خصوصا خطاب غير ممنهج ويفتقر إلى الأصول التربوية والإرشادية التي تغير السلوك تغييرا ذاتيا والذي هو ينبي أن يكون من ثمار الخطب الدينية.
  • أن الخطاب الديني كان صدى للخطب الدينية القومية والوطنية والاحتياجات المادية وليس له أية أبعادا إنسانيا تقارب الخطب بالواقع والتوجيه بالقدوة.
  • هيمنة الثقافة الجبرية الأبوية ؛ ثقافة الاستبداد الفقهي والديني وانفصاله عن قوانين الدول التي تنظم الحياة الإنسانية المشتركة دون تمييز.
  • هشاشة الخطاب الديني وعدم منطقيته أو مراعاته لثقافة المتدين العامي.
  • طغيان ثقافة الأنا والآخر في الخطاب الديني .
  • هيمنة الخطاب السياسي على الخطاب الديني وانفصاله عن منظومة الأخلاق وأصول التزكية والعقلانية والنظام العام والدولة والإنسان.
  • أن الخطاب الديني المعاصر كرس ثقافة التكيف والقابلية والازدواجية خوفا أو طمعا.

ويرجع أهم أسباب التطرف الديني إلى :

  • التقليد والجمود الفقهي، والانقطاع المعرفي عن القيم الكلية المرتبطة بالنماذج الإنسانية، وينطبق هذا على كافة الأديان في العالم العربي والشرق الأسيوي، نظرا لأن المعتقدات تعاني من هيمنة الرموز الشخصية والعرقيات و التاريخ والجغرافيا والقوميات السياسية وغياب الأصوليات العقلانية.
  • تفريع المبادئ الكلية للقيم الإنسانية والدينية وتضيقها بمصالح القيادات الدينية والسياسية وثقافة الاستبداد والهيمنة الرمزية.
  • هيمنة ثقافة الفتوة والمؤامرة على معظم المسلمين والنخب الفكرية.
  • التضييق العقائدي للحريات الفردية الإنسانية في دول العالم الإسلامي.
  • إشكالية الربط والإنزال بين الثقافة التاريخية والواقع المعاصر .
  • الخلط بين مفاهيم العقيدة ومفاهيم الفقه والسياسات والأعراف المحلية والقوانين الدولية.
  • الصراع الثقافي الفوضوي بين أئمة المساجد والأفراد والأفراد وبعضهم في العالم الغربي.
  • تعدد الخطاب وازدواجيته وتناقضه مع النص والمبادئ والمصلحة العامة.
  • انشغال الخطاب الديني بجدليات فلسفية لا تمس الواقع ولا ترتبط بأحوال المصلين وحاجاتهم النفسية والاجتماعية والفكرية، وجهلهم باختلاف البيئات الثقافية للمهاجرين، مما أدى إلى ظهور أزمة فكرية وثقافية داخل الأقليات المسلمة، شكلت شخصية المسلم المتناقضه، وتدينه العاطفي الذي جعلته في مهب التعبئات الدينية العابرة.

ويهدف البرنامج إلى:

  • خلق مواطن صالح قادر على التعايش والتكامل مع المجتمع في تحقيق الأمن والتنمية والسلم.
  • تنمية الفكر الإنساني المشترك في مجتمع متعدد مع الشعور بالخصوصية والاختلاف الطبيعي المتكامل لا الاختلاف السلبي المتناقض.
  • تنمية ثقافة الحوار والقبول بالمختلف من مداخل الخصوصية والاختلاف من أجل تجفيف منابع التطرف الفكري وتحفيف آثاره على سلوكيات الفرد والواقع.
  • إعادة تصحيح دور المساجد وتنمية دورها الاجتماعي والوطني المسؤول عبر سلسلة من البرامج المنهجية والتكوينية .
  • مقاربة الفقه الديني والفتاوى الدينية بواقع الدول وثقافتها الجغرافية والتاريخية والمدنية برؤية فقهية جديدة تنطلق من الواقع وقيمه المدنية والحضارية والسياسية.
  • خلق النموذج الثقافي الفكري المتوازن بين الحقوق والواجبات.

الاستراتيجيات  المرحلية :

يعتمد  هذا البرنامج على آليات منهجية فكرية مختلفة غايتها تصحيح النفس، ثم العقل ثم الواقع من خلال ثلاث استراتيجيات متدرجة :

الاستراتيجية الأولى : استراتيجية المقاربة النفسية:

تقارب بين علم النفس باعتباره علما تجريبيا، وعلوم التزكية في الثقافة الإسلامية باعتبارها علوما روحية تهذب النفس، وسيعمل هذا البرنامج على إعادة التأسيس النفسي للمسلم  لمعالجة الأزمة الناشئة عن الخطابات المتحيزة، والفتاوى العابرة للحدود،  وستعمل على عدة برامج فرعية متدرجة تعمل على:

  • معالجة النفسية الانفصامية والاغتراب النفسي.
  • تنمية القيم الأخلاقية، واحتواء الانحرافات السلوكية.
  • ابتعاث العقل الفطري ومقاربته بالمبادئ الإنسانية.

وهذه المرحلة هي مرحلة التكوين النفسي وسيكون لها برامج عملية تقارب بين الروح والسلوك العقلي من جهة، والإنساني من جهة أخرى، وستعمل على تجفيف النفسيات من العنف والجهل واللاوعي.

ولا يمكن نقل أي متكون من هذا المرحلة إلى التي يليها إلا بعد استيعاب هذه الاستراتيجية عبر سلسلة من الاختبارات التي تقيس درجة التغيير وتحولاتها من خلال الفعل ورد الفعل، والتحدي والاستجابة، والقابلية والانسجام، والثقافة والدور.

الاستراتيجية الثانية: استراتيجية المقاربة العقلية.

تعمل هذه الاستراتيجية على المقاربة بين الفلسفة الغربية ومناهجها،  وأصوليات الفقه الديني باعتبارهما من العلوم التاريخية التي أنتجها الواقع،  والتجارب الإنسانية، وستكون هذه الاستراتيجية تالية للاستراتيجية السابقة، وتقارب بين منطق العقل وتشكيل النفسية العاقلة، و منطق اللغة ومعقولية النص، كأصلين ثابتين من أصول التفكير العقلاني، وهذا المقاربة الأولى،  بينما يختلفان من جهة الإنتاج العقلي والاستنتاجات الواقعية وهذه الخصوصية المميزة لكل منهما، وهو ما سيجعلنا نتجاوز الإنتاج مع الاستشهاد، ونعيد الإنتاج بمقاربة النص والواقع والحال بين الأنا والآخر، من أجل خلق تراث معاصر يتناسب مع قيم الديمقراطية والعالمية وقيم الدولة المدنية.

وستعمل هذه الاستراتيجية  على ما  يلي:

  • تنمية المنطق العقلاني، الذي يعيد ترميم النفس وفوضويتها والعاطفة الدينية وعنفوانها بمحددات العقل وواقعه.
  • تنمية الوعي بالواقع، وهو الذي يقارب بين الفكر والمصلحة والواقع، والأمن المجتمعي وقيمة النظام والدولة.
  • تفعيل ثقافة الحوار الإنساني، وهو الذي يقارب الفكر بالكليات من خلال المصالح الوطنية والإنسانية والفكرية.

الاستراتيجية الثالثة: استراتيجية المقاربة السلوكية.

وهي المقاربة التي تعيد ضبط وتنظيم الفرد عبر برامج الدمج الاجتماعي في إطار الاختلاف الذي يتقارب مع الواقع العام، والمصالح الكلية المشتركة للتعدد، وتجمع هذه الاستراتيجية بين  قيم السلوك الأوربي ونماذجه الحضارية والإنسانية من جهة، والتراث الإنساني في الثقافة الإسلامية، والنماذج الإنسانية  الأخرى.

وتهدف الاستراتيجية إلى :

  • تجسيد السلوك الإنساني كمدخل من مداخل التواصل الحضاري والتأثير والتغيير من مداخل وقيم الخصوصية والاختلاف، والغاية منها خلق فكر ديني –فرنسي يساهم في تغيير الوعي الفردي النخبوي الإسلامي وتمدينه بقيم المدينة المعاصرة.
  • مقاربة السلوك الإنساني كمدخل من مداخل التغيير في المعتقدات والأديان، وهي مرحلة التواصل المؤسسي مع المعتقدات من أجل تمكينها من اكتشاف ذاتها وإعادة تصحيح مسارها في سلم الفكر الإنساني.
  • تعميق فلسفة التعايش المشترك على مستوى الفكر والفكر الأخر، والنقد البناء، وتفعيل السلوك الإنساني في قيم المدنية والنظام والقانون المحلي وقوانين العدل الدولية.

الاستراتيجية الرابعة:  استراتيجية المقاربة المجتمعية:

تسعى هذه المقاربة إلى إعادة تفعيل دور المجتمعات وصناعة النموذج المجتمعي التواصلي الذي يغير في معالم المجتمعات الأخرى، وتعد من أهم الأدوات الاستراتيجية التي ستعمل على إعادة تغيير مفهوم العلاقة بين الدين والدولة من منظور ديني ، ومن خلالها تغير الأفكار وأنظمة الحكم والثقافات والعادات، مما يؤدي إلى مقاربة إنسانية مجتمعية بين مختلف الدول والجغرافيات.

تعد أدوات التواصل اللغوي من أهم الأدوات المؤثرة في الأخر، ووفقا لهذه الاستراتيجية سيعمل المعهد على تعليم اللغة كأداة في التنمية الثقافية، وتغييرها  والتقريب من خلالها وبها  مع الثقافات العالمية ، ووفقا لهذه الرؤية سيعمل على تأهيل الدبلوماسيين بلغة التواصل الثقافي والمجتمعي خارج إطار التواصل الدبلوماسي الرسمي من خلال دبلوماسية اللغة والدبلوماسية الشعبية، ودبلوماسية المعرفة الإنسانية.

وتهدف إلى:

  • تكوين نخبة دبلوماسية تجيد لغة وثقافة الأخر ومصطلحاته وتسلحه بأدوات معرفية تمكنه من تفعيل الدور الدبلوماسي.
  • التواصل الإنساني مع الشعوب الإسلامية وإعادة تدويرها وتنويرها بقيم الإنسانية والتواصل الحضاري.
  • خلق النموذج الإسلامي في العالم الغربي المعاصر.

المناهج :

سيعمل المعهد على وضع مناهج دراسية علمية تغير في الإنسان بالعلم والمعرفة والدين وتغير فيه أليات التفكير:

الأول: التغيير بالنص: وقد تم اختيار بعض النصوص التي تؤهل الخطيب ليكون مجتهدا في واقعه ومستقلا عن التأثيرات الفقهية العابرة .

الثاني: التغير بالمنطق: وقد الآلية التي من خلالها يربط المنهج بين النص والعقل الذي يتوافق مع المبدأ الإنساني.

الثالث: التغيير بالواقع: وهي الآلية التي ستربط النص والعقل بالواقع الفرنسي والنظام العام للدولة ومفاهيمها العلمانية.

الرابع: التغيير بالبيئة: وهي الآلية التي ستربط بين المصلحة القومية الفرنسية كهوية وجنسية والمتغيرات الدولية (التعبئة العامة للدولة).

الخامسة: التغيير بالنموذج: وهي الأدوات التربوية التي ستخلق النموذج القادر على التأثير في فكر الإنسانية والفكر الديني.

وهذا الأليات ستخلق واقعا فكريا جديدا، وواقعا اجتماعيا رشيدا يعمل:

  • تنمية الثقافة الإنسانية والتنوع الثقافي والفكري بالاجتهاد وليس بالتلقين
  • تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والشعور بالمسؤولية الوطنية.
  • تنمية الأمن والسلم والمصالح الإنسانية المشتركة، من خلال النظام والدولة.

 

مدة التكوين:

مدة التكوين هي ثلاث سنوات وهي مدة التحصيل الذي تمكن المتكون من النظر في النص الديني والترجيح أو التمييز، وسيترتب على المتكون إعداد بحث علمي نهاية الدراسة  تكون خاصة بالذين سيتابعون التدريس والتكوين الثقافي للعامة.

المناهج:

يعمل البرنامج على تأسيس المتكون من الصفر، بأن يكون قادرا بالطرق المنهجية على النظر في الفكر الديني وليس الاجتهاد المطلق في النص، مما يجعله قادرا على تقييم المصلحة، وفهم الواقع والنوازل، والضرورات، برؤية فقهية وفكرية تنطلق من الواقع الفرنسي مجتمعا ودولة ونظاما وحضارة.

وحتى يكون البرنامج موضوعيا وعقلانيا وواقعيا، فإنه لا يسعى لتأسيس مذهب جديد، ولكننا ننطلق من كون النص الديني يتميز بالمرونة والتكيف النافع والصالح لكل زمان ومكان، مما يقتضي مراعاة مصالح المسلم ومراعاة مصالح الدولة والنظام والمجتمع الذي يقيم فيه، وهي علاقة بين الخصوص العام والخصوص المطلق، انطلاقا من قواعد كلية عقلية في الفقه، يستطيع المتمكن بالنظر في الفكر الديني أن يؤسس عليها فتاويه الدينية المعاصرة.

السنة الأولى:  ستتناول الأصول الدينية مع تطبيقات عامة، وتشتمل على أصول معرفة أصول الحديث والفقه والنحو والصرف إجمالا، بطريقة مبسطة لا يتناول المعلم فيها الخلاف، أو القضايا العقلية التي خاض فيها متكلمي الفنون، وتعليم فنون الخطابة التي تمكن الخطيب من التأثير في السامع، وفي هذه المرحلة يمكن أن يكون الخطيب فاعلا لكن من خلال مجلس علمي يساهم في إعداد محتويات وموضوعات الخطب الدينية.

السنة الثانية: سيتناول البرنامج الأصول المتقدمة مبسطة مع تطبيقات فقهية على واقع الأقليات بما في ذلك فقه المرأة، وفقه السيرة وما ورد فيها من إشكالات في حقوق الإنسان وحرية التعبير والتأريخ، ودراسة مفهوم العلمانية والمواطنة والجنسية والتعدد وغيرها من القضايا المختلفة فيها من خلال الدراسات الفقهية، وفي نهاية الفصل يقدم المتكون بحثا حول مسألة من هذه المسائل.

السنة الثالثة: سيتناول البرنامج علم الكلام والفلسفة وتطور علوم الاجتماع وعلم النفس والسياسة، من خلال القواعد الإنسانية الكلية والأخلاقية وعلاقتها بالمفاهيم الدينية، ودور الحضارات الإنسانية في حماية القيم الإنسانية العالمية وتحولاتها عبر التاريخ.

الأساليب التعليمية:

نظرا لأن العلوم الأصولية جافة وكلماتها فلسفية بحته، فإن تبسيط النصوص ومقاربتها في الواقع التي تتناسب مع تطور الأساليب التعليمية سيفرض على المعلم أن يؤلف كتبا تكون مرجعا للمتكون ومرجعا للتدريس باللغتين العربية والفرنسية.

سيكون في نهاية كل مرحلة تكوينية قد حصل المتكون :

  • فهم الأصول فهما منهجيا متوزانا بين النص والواقع والعقل بمحددات المصلحة العامة والمعتبرة والشرعية، وأن يكون له القدرة النظر في النصوص الشرعية والبحث.