نحو منهجية تفعل دور المؤسسات التعليمية والإرشادية في مجالات التنمية

0 59

نحو منهجية تفعل دور المؤسسات التعليمية والإرشادية في مجالات التنمية

تقرر بناء على دعوة الإدارة العامة للمعهد الفرنسي اجتماعا علميا حضر فيه 29  أستاذ أكاديمي من السعودية واليمن والعراق وسوريا  والجزائر والمغرب وليبيا وفرنسا وفنلندا.. وقد بدأ الاجتماع في تمام الساعة السابعة بتوقيت فرنسا التاسعة بتوقيت مكة المكرمة، واستمرت مداولات النقاش ساعتين وستة عشر دقيقة وسبعة عشر ثانية.

وقد تخلف عن الاجتماع بعد توكيد الحضور عشرة من الأساتذة الباحثين ، واعتذر 30 منهم لظروف مختلفة ولم يتفاعل مع هذا اللقاء ضعف هذا العدد ممن كان لهم حضورا رئيسا خلال المؤتمرات العلمية.

وقد تمحور اللقاء على أربع قضايا أساسية :

– التعليم والتنمية

– أزمة المؤسسات التعليمية وضعف مخرجاتها.

– غياب المنهجية العلمية وضعف المناهج التعليمية .

– أزمة البحوث العلمية.

– أزمة المؤسسات الإرشادية الدينية.

– أزمة الأمانة العلمية ورداءة المنظومة الأخلاقية.

بدأ الأستاذ جمال الهاشمي مدير المعهد الفرنسي حديثه بمقدمة بين فيها أزمة المؤسسات التعليمية وانعكاسات ذلك سلبا على الأمن المجتمعي ورشادة القرارات السياسية وفشل التنمية وعزا أسباب فشلها الى غياب المعايير المنهجية التي تستلزم أن تبدأ قبل تأسيس المؤسسة التعليمية وتشكيل إدارتها.

وميز بين ثلاثة أنواع من القيادات:

القيادة الاستراتيجية: و وظيفتها وضع الاستراتيجيات وضبطها من خلال المعايير والمحددات بما ينسجم مع تحقيق الأهداف الاستراتيجية السنوية الشمولية، وتضع البرامج المرحلية التي تنظم الخطوات وفق رؤية متوازنة بين الإمكانيات والخطط وأهدافها.

القيادة الإجرائية: وهي القيادة الوسطى التي تنظم البرامج وفق قواعد علمية واحتمالات متعددة تتولى عملية الاشراف والمتابعة والتقييم وتصحيح المسارات.

القيادة التنفيذية: وهي القيادة التي تتولى تنفيذ القواعد المرسومة  وتنظم آليات تفعيلها في الواقع، وتقييم نتائجها ومن ثم تجمع البيانات وتقدم دراستها الميدانية إلى القيادة العليا.

وبناء على هذا التقسيم اقترح أن تتشكل هيئة علمية تتكون من الخبراء والمفكرين والأكاديميين تكون تابعة لصناع القرار، في رئاسة الدولة ومن ضمن هذه الهيئة لجنة خاصة بالعملية التعليمية والتنموية والاقتصادية  لأهمية ربط التعليم بالتنمية والاقتصاد ومن مهامها وضع الخطط الاستراتيجية للتعليم وربطه بمجالات الاقتصاد والتنمية.

وبالنسبة للقيادة الإجرائية فقد حددها بالقيادة الوسطى والتي تتولى الحقائب الوزارية ولضمان تعميق فلسفة العمل التنموي من خلال المعرفة فقد طالب بإلغاء كل من وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي ووزارة الاقتصاد والتنمية ودمجهما في وزارة جديدة تسمى ” وزارة التعليم والتنمية، وذلك لربط العلاقة الوظيفة بين دور التعليم والتنمية بكل صنوفها الفكرية والمادية والتربوية، ولضمان انسجام القرارات بما يتناسب مع الواقع لأن فصل القرارات ذات الصفة الواحدة يؤدي إلى فشل المؤسسات وضعف القرارات السياسية والاستراتيجية، وقد طالب بأن تكون وظيفة الجامعات وظيفة تنفيذية.

وطالب بوضع معايير منهجية لعملية المأسسة والتوظيف للدول التي تسعى بأن يكون لها دورا في نقل دولها من الهامش والتخلف الى التقدم والصدارة، وقدم أمثلة على ذلك  كالتقدم الياباني الذي أعادة تقييم منهجيته في بناء مؤسساته بعد الحرب العالمية الثانية، وحول المعرفة من كونها صفة مكتسبة إلى سمة متأصلة في الثقافة والعقل والسلوك والقيم اليابانية.

ثم تحدث عن التحول بالعامل الوسيط وهو تحول الصين من دولة هامشية إلى دولة عالمية، حيث تحدث عن اكتساب لصين للمعرفة من خلال اليابان نظرا لأن اليابان قد تمكنت من يبننة المعرفة والثقافة اليابانية والديانة الشنوتية من مذاهب الصين التاريخية القديمة أو المنشقة عنها، وكان لهذا الأصول التاريخية المتقاربة دورا في اجتياز الصين فترات التحول من الصفة إلى السمة ، حيث دخلت في السمة التي مكنتها من الوصول إلى القيادة العالمية.

وقد ميز الهاشمي بين العلم والمعرفة، ورأى أن العلم مدخل منهجي للمعرفة، وأن العلم المنفصل عن المعرفة عقيدة متطرفة تقود إلى البغي والعنف والتطرف، سواء كان ذلك العلم دينيا كأديان المعتقدات أو العلم الطبيعي كالمذاهب العلمية الايدلوجية، ويرى أن العلم المطلق بغيا في ديننا وغنوصة في  الفلسفة، وزندكة أو زندقة في المعتقدات الأسيوية.

ويرى أن آيات من القرآن الكريم فصلت بين نوعين من العلم وحصرت ضوابطهما بالمعرفة.

الأول العلم الطبيعي: وهذا العلم له مقاييس طبيعية معايير إنسانية إذ أنه وليد الفكر الإنساني وليس من خارجه.

قال: تعالى. ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ وهذه المعرفة العقلية العاملة في الوجود، وأدلة الوصول الهيا بالخبرة  والبحث والكشف والتجريب .

“وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَٰتِهِۦ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ”

حيث رأى أن مقاييس التنمية تكون في العلم الطبيعي وأن مداخله يكون من خلال الكونية التي تحمل في أحد أطرافها معايير إنسانية وهو ما دعاه إلى التأكيد على أهمية العلوم الإنسانية كونها مدخل من مداخل العلوم الطبيعية وبيئتها الأولى، وأن الفلسفة كان لها الفضل في نهضة العالم الأوروبي مع أن الفلسفة بالنسبة للغرب هي أم العلوم الكونية، واردف أن سبب تخلف العالم العربي يرجع إلى الضعف المنهجي في العلوم الإنسانية وعدم وجود معايير لها أو مقاييس يرتقي بها إلى صفة العلوم لأن العلم لا يقاس بالكتب وإنما بالمعرفة المعيارية والمعرفة العملية التي تغير في الواقع وتحقق التنمية.

أما النوع الثاني من المعرفة فهي المعرفة الإنسانية التي يقاس بها رتبة العلوم ..

ويقول: “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ. وهذه المعرفة الموضوعية العاملة في النص وأدلة الوصول الى الحق  بالسمة والبحث والدليل .

” تَعْرِفُهُم بِسِيمَٰهُمْ”

“وعَلَى ٱلْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّۢا بِسِيمَىٰهُمْ”

“إِذَا سَمِعُوا۟ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا۟ مِنَ ٱلْحَقِّ”

“خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ”

“وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا۟ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُۥ مُنكِرُونَ”

“أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا۟ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُۥ مُنكِرُونَ”

“وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ”

“يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَٰهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَٰصِى وَٱلْأَقْدَامِ”

“تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ”

ثم أطر الأستاذ سعود العنزي أستاذ التعليم العالي في جامعة تبوك  العلاقة بين العلم والتنمية بعد أن أثنى على ما يقدمه المعهد الفرنسي من خدمة للدول والمجتمعات العربيةـ،

مبينا أن التقدم للدول لا يأتي دون توجيهات العلم لمسيرة التنمية وفق قواعد تنظم وجوده في الواقع وتقربه من أهدافه، وأن التخلف لا يأتي إلا من خلال رداءة التعليم، وحدد مجالات تفعيله في القيم الأخلاقية والاقتصاد المستدام والعمل والأمن ومواجهة الجريمة، وذلك من خلال البحث العلمي، وطالب الدول العربية بضرورة الاستثمار في التعليم، لأنه القاعدة التي تبنى عليها الأمم وتتشكل الدول، وأنه القيمة الأسمى لترشيد القرارات السياسية .

ثم علق على مقدمته الهاشمي مؤكدا على ما قدمه من أفكار قيمة تنقصها الإرادة ، ثم انتقلت الكلمة إلى الأستاذ الحسن بنيعيش  وقدم فيها اقتراحاته القيمة،  وهو أن يحصر المعهد الفرنسي شراكاته مع المؤسسات ذات الاهتمام التي تشاركه رؤيته الاستراتيجية وتنطلق من نفس منطلقاته لتوسيع دائرة الفعل التنموي وخصوصا في مجالات التعريب وتكوين الأئمة كون المعهد الفرنسي يجمع بين التعليم والبحث ويوظفهما في مجالات التنمية.

ثم طالب المعهد أن يشكل مدونة أخلاقية تنظم آليات العمل الجماعي المشترك، موضحا أن تكون اللغة العربية لغة التسيير الإداري ولغة البحث العلمي لأن في ذلك إحياء لدورها الحضاري في بناء المواطنة والدول والتنمية، لا سيما وأن التطور للأمم لا يبدأ من تطوير لسانها في حياتها العلمية والبحثية والإدارية.

ومن جهته طالب بربط المناهج التعليمية بالقيم المضافة التي يترتب عليها حضوره في تحقيق التنمية وإثراء الحياة العامة، ونشر العربية وتعريبها لتكون حلقة الوصل والمعرفة من خلال التعريب والتعريف بالذات للآخر.

وتلاه في الطرح الأستاذ سيدي حسن أزروال   في طرح مطول تحدث فيها عن المؤسسات التعليمية كقيمة مجتمعية تبدأ من المجتمع انطلاقا من حاجياته الأساسية، وبها تتشكل الموارد البشرية القادرة تلبية احتياجات مجتمعاتها، وقسم المؤسسات الى مؤسسات مهنية وتقنية وخدمية وعسكرية وتعليمية ودينية وتنموية … الخ…وأن هذه المؤسسات تؤدي دورا في أعادة صناعة الموارد البشرية وتلزمه أخلاقيا وقانونيا وإداريا بواجباته الوطنية والإنسانية.

وأكد على أهمية المؤسسات التي تنتظم فيها الإرادة الجمعية، وربط بين مفهوم المؤسسة والبحث العلمي والمنهجية حيث تتشكل المؤسسات الفاعلة من خلال مقوماتها ومعاييرها المجتمعية وأنها المصنع الأول للموارد التي تؤهلهم لتحقيق المجتمعية، وأن تأثيرها يربط الحاضر بالمستقبل.

ثم ذكر دور المعهد الفرنسي وتفرده في تقديم موضوعات وأطاريح منهجية عميقة  تعالج أزمات موضوعية معاصرة تعاني الإنسانية والمجتمعات العربية.

وكعادته الهاشمي يعلق قبل الانتقال ليمهد لأطاريح قيمة من أطاريح المتداخلين ليضفي أو يستدرك نقاشا ليس له منتهى إلا أن يتحول إلى واقع ملموس.

وقدمت الأستاذة أصالة كيوان من سوريا عميدة كلية الحقوق في جامعة الشام الخاصة مداخلتها تناولت المحاور التالية:

– سبب تراجع التعليم في سوريا بين التصنيفات والجودة الحقيقية.

– دور المعهد الفرنسي في تعزيز البحث الأكاديمي والتعاون العلمي.

– تصنيف مجلة المعهد ضمن قاعدة بيانات عالمية.

– إنشاء منصة إلكترونية مشتركة لتعزيز  التعاون الأكاديمي .

ورأت أن المعهد الفرنسي يعد منطلقا استراتيجيا للعقول الأكاديمية العربية ومؤسسة متوازنة في أطاريحها المنهجية العقلانية والواقعية.

وانتقل الحديث مباشرة إلى الأستاذة أمينه طيبي أستاذة التعليم العالي في جامعة الجيلالي ليابس ورئيسة أحد المخابر البحثية في الجامعة وعضو المجمع اللغوي الجزائري، حيث ركزت على الشراكات مع المعهد فيما يخدم المضمون، مبينة أن المعهد الفرنسي يتميز في كونه ينظر إلى المستقبل من خلال مداخل التغيير وذلك من خلال:

توحيد المحتوى وتحديد المحتوى الهادف الذي يواكب التغيرات المعاصرة.

واقترحت أن تكون الشراكة مع الجامعات والمراكز البحثية ليس فقط في الأنشطة العلمية وإنما المشاركة أيضا في وضع البرامج والتدريس وتأطير الطلاب والزمالة البحثية وأن تدمج هذه ضمن بنود الشراكة مع الجامعات العربية.

وبما أنها عضو مؤسس في المعهد الفرنسي ضمن أعضاء آخرين فقد تلقت اتصالات من تركيا وعمان لعقد توأمة مع المعهد الفرنسي وهذا يعكس دور المعهد قوة تأثيره بما يخدمه من محتويات ورؤى استراتيجية عميقة تعكس ما يحتاجه الواقع، وأن هذا اللقاء يجب أن يكون مؤسسا للشراكة الفعلية وفقا للرؤية والأهداف التي سطرها المعهد الفرنسي.

ثم أعاد الأستاذ جمال بوصلة الحديث نحو أزمة المنهجية العلمية في الوطن العربي والجامعات العربية التي ما تزال تتعاطى مع مناهج علمية إما مشوهة أو  ناقصة أو أنها غير موجودة،  وربط بين مفهوم المنهجية والبيئة حيث ربط المنهج بثلاث بيئات الأولى تبدأ بالمجتمع ثم السلطة وتنتهي بالمؤسسة التعليمية،

وشبه البحوث المعاصرة بأغراض الشعر الجاهلي، وأنها تنطلق من قيود حزبية أو عقدية أو جهوية وهو ما ينفي عنها صفة الموضوعية والعدالة المنهجية، بل وصفها بأنها مواد سوقية هدفها استغلال المستهلك ماديا ونفسيا وفكريا، ومن خلال اطلاعه على الرسائل العلمية في الجامعات وجد أن استخدام الباحثين للمناهج الكلاسيكية كالتاريخية والمقارن والمنهج الوصفي  والتحليل يتنافى مع حقيقة المنهج وطبيعته ومعاييره وضوابطه، وقياسا على ذلك كتبت البحوث والمؤلفات ودونت الموسوعات بآلية الرصف والنقل، وهذا هو من أهم مظاهر التخلف المنهجي الذي قاد المجتمعات والدول نحو التخلف.

وقد وضح كيفية التعامل مع الظاهرة قبل دراستها وتدوين البحوث عليها، لأن للظاهرة تعامل منهجي بناء عليه يقرر الباحث مدى فعالية استكمال البحث من عدمه، وأن الحديث عن الظاهرة يحتاج إلى فصل خاص بها لإثبات أهمية دراستها، ومن ثم تقاس الأهمية من خلال الأهمية العلمية ويليها الأهمية المعرفية ثم الأهمية العملية بدون هذا الترتيب والتنسيق لدراسة الظاهرة لا يستقيم البحث العلمي، وقد بين أن الظاهرة تعالج من خلال المراجع وهو المدخل الكلي للظاهرة الإشكالية ثم المدخل العام وهو الذي يميز العام بالخصوصية العامة ثم الإطار وهو الذي يضبط الظاهرة بخصوصيتها الخاصة .

وقد أفاد أن المنهج التاريخي يحتاج إلى كتاب خاص به ومثله بقية المناهج لضمان الانتقال من حالة الادعاء المنهجي إلى الوعي المنهجي إذا لا خروج من هذه السلبية إلا بالمنهج فهو الطريق الوحيد الذي معالم العلوم ومجالات التنمية واحتجاجات المجتمع ووظائف الدولة.

وشكرت الأستاذة أسماء لشين  أستاذة التعليم العالي في كلية الإعلام – الجامعة العراقية  المعهد الفرنسي على ما يقدمه من مناقشات بناءه ومثمرة، ثم عزت أسباب أزمة البحث العلمي في العالم الإسلامي إلى مشكلات تربوية واقتصادية واجتماعية وسياسية، والمنهج العلمي السلمي لمعالجة الأزمة يحتاج إلى معرفة أسبابها ومن مظاهر الأزمة وفرة الدراسات البحثية التي تفتقر إلى الأصالة والأمانة العلمية، ويفتقر البحث العلمي للجدة والتجديد، ومن مظاهر ازمه البحث العلمي أن البحث قد يعج بالكثير من الأفكار المستورة دون تمحيص ومحاكمة، وأنها تؤحذ كمسلمات مع كونها مخالفة لأسلوب البحث ومخالفة للموضوعية، وأن الباحثين يعودون إلى المراجع الأجنبية للاستشهاد بها دون خطة منهجية وقاعدة معرفية.

وركزت الأستاذة على الأمانة العلمية والذي يعد جانبا خطيرا تؤثر على الأمن الفكري واحترام الحقوق الفكرية، وهذا يتنافى مع أخلاقيات المهنة، إضافة إلى الإخلال بأصول البحث العلمي وخطواته وقواعده .

فأهل العلم والمعرفة يدركون هذه الأزمة، إلا انهم يعلمون ذلك ولا يسعون إلى تغييره، وهذه من تقود إلى مؤشرات أخرى وهي القاعدة الأساسية للبحث والتي تتمثل بالقيم الأخلاقية المفقودة، ومن أهم أسباب الأزمة عدم وجود اهتمام قيادي للبحث العلمي ودعم اقتصادي مستقر للبحث العلمي وعدم وجود خطط استراتيجية، وأن المال وحده لا يكفي ما لم يكن هناك عقول تقود عملية البناء والتغيير .

وأخذت الكلمة الأستاذة مرضية أبوبكر من جامعة طبرق – ليبيا حيث أكدت على نقطة ضعف المناهج العلمية وأنها روتينية متكررة تبعث الممل وقد تجاوز عليها الزمن، وهذا الركود المنهجي أضر بالمعرفة والعلم والتنمية، ثم تطرقت إلى الحديث عن الترجمة  باعتبار منهجية الترجمة من المناهج التي تعرضت للتهميش بسبب الترجمة التقنية، وهذا التهميش أضر بالمعرفة المنقولة وأخرجها عن سياقتها المنهجية، ثم أكدت على الإشكالية التي تعوق تطوير العمل المنهجي هو غياب الأخلاق العلمية.

وأخيرا قدمت استفسارا عن مكانية أن يكون للمعهد دورا في تنشيط البحوث باللغات الإنجليزية والفرنسية، وقد رد الهاشمي أنه بسبب عدم وجود قاعدة معرفية عربية حتى الآن وهو ما يعمل المعهد على تأسيسها، ذلك أن المعادلة الآن ليست لصالح البحث العربي، وما يقدمه الباحثون العرب في معظمه لا يعدو كونه بيانات وبحسب أهمية البيانات يكون قيمة البحث، وهنا تحدد أهمية تحويل البيانات إلى معرفة عملية، حيث يفتقر الباحث العربي إلى عملية التحويل وهذه العملية هي التي تعطي للباحث قدرة وقدرة واقعية.

ثم كان الدور للأستاذ علي عز الدين الخطيب عميد كلية التربية السابق في جامعة واسط، وبين المعوقات الإدارية التي عرقلت البحث والتدريس في الجامعة، وأن الأنشطة الأكاديمية في معظمها مضحكة هدفها السعي نحو الدخول في التصنيف، كما أن معايير التأثير أصبحت بمثابة دكاكين لمن يدفع أكثر وليست لها أي معايير علمية يعتمد عليها.

وقد أكد على ما اقترحه الأستاذ الهاشمي من تشكيل هيئة علمية عليا لتقييم البحوث العربية وفق معايير علمية وليس قياسا على معايير التأثير العالمي.

ويرى أن مؤسسات التعليم انساقت وراء المظاهر مما أفقدها حقيقة دورها المنوط بها في مجتمعاتها، وأن وزارة التعليم فرضت على الجامعات نشاطات من أجل الوصول إلى معايير التصنيف العالمي، وهذه الضغوط أربكت العملية التعلمية وزادته وسوء، وعطلت  وظيفة المؤسسات التعلمية التنموية بالبحث عن التصنيفات العالمية وبأنشطة ضعيفة تزيد من تخلفها، لأن مقاييس التصنيف لا تقوم على المعايير المنهجية وإنما على الكثرة.

وقد أدى هذا التحول إلى تثبيط عزائم الباحثين، وعزوف  الباحثين عن القراءة، وأخير أكد على أهمية هذه الندوة وما تقدمه من طرق منهجي ورؤى علمية  مهمة وإشكاليات منهجية تعالج أزمات مستفحلة في مؤسسات التعليم والبحث العلمي.

ومن بدأت الأستاذة سالمة العمامي استاذ التعليم العالي في جامعة طبرق بمداخلتها مؤكدة على أهمية المعهد الفرنسي كصرح علمي ومؤسسة علمية رصينة تتناول أطروحات تمس احتياجات العالم العربي، مؤكدة على ما قدمه الخطيب، وأضافت أن المؤسسات التعليمية وكذلك الدول تعاني من أزمة في المنطلقات وأزمة في الفكر وأزمة في الاستراتيجيات، حيث أن البحوث العربية تنطلق من منطلقات تنظيرية غربية، وهو ما أثر على نهضة العقل المنهجي لا سيما وأن المجلات ذات التأثير العالمي اتخذت من هذه المنطلقات معيارا لنشر البحوث.

وأكدت على أن المنطلقات تبدأ بأصوليات المعرفة ولكل معرفة خصوصية، وأن البحث يعاني  من أزمة الباحث ومبادئه وقيمه وأصوله العلمية، وقدمت رؤيتها على أهمية مناقشة البحوث العلمية في المؤتمرات نقاشا فكريا وليس فقط نشر البحث الذي قد يكون لغاية شخصية. وختمت بحديثها عن أهمية التجديد المنهجي ..

وهنا أكد الهاشمي على أن التجديد والتغيير يكون ابتداء بخلق النموذج وأن هذا النموذج لا بده له من بيئة تعليمية واجتماعية وسلطوية يعاد بناءها من داخلها بآلياتها وظروفها لا سيما وأن المناهج العلمية تحمل صفات وسمات جغرافية وثقافية واقتصادية.

وكانت مداخلة الأستاذة مليكة بفاح أستاذة التعليم العالي في جامعة الجزائر تدور حول أهمية اختيار العضويات من الشخصيات الأكاديمية التي لها دور معرفي في جامعاتها وفق معايير علمية، وأكدت على أن الذكاء الاصطناعي ساهم في افسدا العمليات التعليمية، ثم عرجت على الترجمة وإشكاليتها وأهمية تدخل العقل البشر في تنظيم معارفه التقنية.

وفي الأخير تحدث الأستاذ مصطفى بوهبوه – جامعة محمد الخامس وجده،  وأكد على أن التقدم في مجتمعاتنا مرتهن بالمؤسسات التعليمية والمؤسسات الارشادية وأن التجديد في المناهج التعليمية من مستدعيات التحولات المجتمعية وبناء المنهجية وخصوصا منهجية القراءة التي تؤسس لبناء الشخصية التنموية ، وربط بين هذه المؤسسات ومؤسسات بناء الأسرة السوية والتي تحتاج إلى إعادة تهيئتها لبناء دورها، وأكد على أهمية ما يقدمه المعهد الفرنسي من تأسيس مؤسسات تعليمية متنوعة.

وقد لفت الانتباه على أهمية مواكبة المعهد للذكاء الصناعي، وقد وجه سؤولا حول دور الذكاء الاصطناعي وعلاقته بتطور المناهج العلمية.

وخلاصة هذه النقاشات العلمية المعمقة والمنشورة على موقع المعهد الفرنسي وقناته، فقد تمخض عنها وضع عنوان يتناسب مع محتواها بالغاية والأهداف المأمولة وهي بعنوان ” نحو منهجية تفعل دور المؤسسات التعليمية والإرشادية في مجالات التنمية

ونظرا لضيق الوقت لم يتمكن بقية الحاضرين من تقديم مداخلاتهم القيمة، مما دفع بالبعض لارسال مدخلاتهم مكتوبة وفيها من المقترحات والأفكار المهمة وخلاصة هذا ترتب عليه القرارات التالية:

– إعادة النظر في صياغة العلاقات الأكاديمية بين المعهد والمؤسسات والاقتصار فقط على المؤسسات الفاعلة وفق برامج عملية ومشاريع منهجية وخطط استراتيجية .

– أعادة النظر في العضويات السابقة وتضيق مساحاتها  ووضع معايير جديدة في اكتساب العضويات الجديدة .

– العمل الجاد على تأسيس منهجية جديدة تكون مدخلا لتغيير المناهج التعليمية وتأسيس المؤسسات التعليمية وتنمية أصوليات التنمية وتقديم الدورات العلمية .

– العمل على تأسيس كلية مشتركة تحمل عنوان،  كلية المنهجية والبحوث العلمية ووظيفتها تأهيل الباحثين في مختلف التخصصات العلمية.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.