سوريا المعاصرة بين صدام الحضارات و تنافس القوى الإقليمية وتأثيرها على منظومة الأمن العربي
د. جمال الهاشمي
على ضوء التحولات البنيوية التي أصابت النظام الإقليمي في الشرق الأوسط تشكل الساحة السورية نموذجا معبرا عن تداخل الصراعات الجيوسياسية مع الأسس الماهوية للفاعلين الدوليين والإقليميين وتبرز كمختبر حي لإعادة تشكيل موازين القوى على أسس تتجاوز الدولة القطرية نحو مشاريع أعمق تتصل بالبنى الحضارية و الأنساق التاريخية.
إن التنافس بين القوى الإقليمية غير العربية في سوريا ليس طارئا ولا عرضيا بل يعبر عن نزوع بنيوي لتوسيع نطاق النفوذ من خلال توظيف الفراغ الاستراتيجي الناجم عن الانكفاء العربي والتآكل الوظيفي للدولة الوطنية وتفكك الروابط الداخلية الجامعة.
وفي هذا الإطار يتخذ التنافس أبعادا تتعدى المنطق الواقعي التقليدي القائم على موازين القوى المباشرة ليكتسب طابعا يتصل بإعادة تعريف الفضاء الإقليمي نفسه.
فمن جهة ثمة مشروع يستعاد من عمق التاريخ و يستند إلى امتداد مذهبي وثقافي يعمل على تفكيك البنى الداخلية للدولة من خلال تشكيل شبكات طائفية تتجاوز الحدود السياسية وتربط المجال الشامي بمراكز ثقل خارجية، ومن جهة أخرى تتجلى مقاربة مغايرة ذات طبيعة هجينة تستند إلى توظيف البعد السني في سياق رؤية إمبراطورية مضمرة تسعى إلى إعادة تدوير الشرعية السياسية خارج سياقها القطري عبر تصدير نماذج حكم وتشكيل أدوات ميدانية تعكس هذا التصور.
أما الفاعل العربي فنجده في موقع الدفاع أكثر من المبادرة يتردد بين ضرورات الأمن القومي ومخاوف الانجرار إلى صراعات لا يملك أدوات الحسم فيها و هذا التردد ليس ظرفيا بل يعكس غيابا بنيويا لمشروع استراتيجي عربي قادر على تقديم صيغة جامعة تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية وتضع حدا لحالة السيولة التي تسم المشهد العربي منذ عقدين على الأقل.
إن ما يجري في سوريا لا ينبغي النظر إليه باعتباره على أنه تنازع على سلطة محلية أو إدارة إقليمية لنزاع داخلي وإنما هو جزء من سيرورة أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل النظام الإقليمي على أسس لا تتطابق مع التصور القومي العربي للدولة والمجتمع بل تناقضه في جوهرها؛ فالمسألة هنا لا تتعلق بالمجال السوري فحسب وإنما كذلك تمس البنية الذهنية والرمزية للنظام العربي وتضعه أمام تحد وجودي يتصل بقدرته على الصمود أمام مشاريع موازية تسعى إلى وراثته أو على الأقل تهميشه.
وتنبع خطورة التنافس الإقليمي في سوريا من كونه يعيد إنتاج مفاهيم السيادة والانتماء على نحو يعكس انتقال مركز الفعل السياسي من الداخل إلى الخارج؛ فالدولة لم تعد وحدة سياسية قائمة على الاحتكار المشروع للعنف داخل حدود معينة بل تحولت إلى فضاء للنزاع الإقليمي الدولي وتدار عبر فواعل ما دون دولية ترتبط بقوى إقليمية تسعى إلى إعادة تشكيل المجال الجغرافي والديمغرافي بما يخدم تصورها لمستقبل المنطقة.
وهذا بحد ذاته يهدد ليس فقط كيان الدولة السورية بل الأسس التي يقوم عليها الأمن القومي العربي كمنظومة مفاهيمية ومؤسسية.
إن غياب المبادرة العربية لا تقرأ في ضوء التوازنات الحالية ثم تتجاهل انحسار القدرة على إنتاج التصور الكلي وضعف المؤسسات الفكرية القادرة على بلورة رؤية استراتيجية تتجاوز الأطر الانفعالية والاصطفافات الظرفية؛ فالمشروع العربي إن جاز الحديث عن وجوده يعاني من غياب الذات الفاعلة وانكفاء المرجعية وتآكل الخيال السياسي وضعف القيادات السياسية أ وهذه عناصر لا يمكن تعويضها بتحالفات عسكرية عابرة أو مبادرات دبلوماسية ظرفية.
ما يحدث في سوريا إذن هو لحظة كاشفة لانهيار النظام الرمزي الذي كانت تقوم عليه الدولة العربية الحديثة؛ فالتحول من مركزية الصراع العربي-الإسرائيلي إلى تشظي الصراعات الداخلية ومن وحدة المصير إلى تباين الأولويات القطرية وتنافسها حتى في إطار علاقاتها الدولية التنافسية، ومن تصور الأمة إلى تغليب الانتماءات دون الوطنية؛ الجهوية والطائفية والمذهبية، كل ذلك يعكس انتقالا بنيويا يجعل من سوريا ميدانا لصراع مشاريع متنافسة على أنقاض مشروع غائب.
ضمن هذا السياق المؤلم يمكن النظر إلى انعكاسات التنافس الإقليمي على الأمن القومي العربي بوصفها تتجاوز الخطر العسكري المباشر لتطال أساس الأمن ذاته؛ الهوية والشرعية والتصور الحضاري، فالمعضلة ليست في وجود قوى تتنافس على النفوذ وإنما في غياب قوة قادرة على تقديم نظرية جامعة تتجاوز الثنائية التقليدية بين الدولة القطرية والعصبيات ما قبل بناء الدولة، وتحول دون انزلاق المنطقة نحو تكرار نماذج تاريخية هامشية تم تجاوزها نظريا دون أن يتم إلغاؤها فعليا.
إن استعادة الفاعلية العربية لا يمكن أن تتم إلا عبر إعادة تأسيس العلاقة بين الدولة والمجتمع وتجاوز حالة الاغتراب التاريخي بين السلطة والهوية والانتقال من رد الفعل إلى الفعل ومن التبعية إلى القدرة على إنتاج الرؤية، وفي غير هذه الحالة سيبقى المجال العربي مفتوحا أمام مشاريع الآخرين لتتصارع فوقه وتعيد تشكيله وفقا لمصالحها فيما تتآكل مقومات الأمن القومي من الداخل بصمت وبدون مقاومة فكرية أو استراتيجية حقيقية.
إن ما تشهده سوريا وعموم المشرق العربي لا يمكن فهمه إلا في إطار سيرورة طويلة من تفكك الدولة القطرية العربية؛ تلك التي نشأت على أنقاض السلطنة العثمانية بتوافق دولي لا بإرادة داخلية.
لقد بنيت هذه الدولة – في أغلب نماذجها – على مؤسسات مستعارة وحدود مرسومة خارجيا وهويات وطنية هشة لم تستطع تجاوز الولاءات ما دون الوطنية من مذهب وقبيلة وعرق، ولأنها تأسست كإطار سياسي هش يفتقر إلى عمق حضاري موحد فقد تحولت سريعا إلى كيان قابل للاختراق بل وإلى ساحة لإعادة التشكيل كلما تبدلت موازين القوى الإقليمية.
فدعونا ننظر إلى تحديات الدولة السورية والأمن القومي في إطار قراءتنا لجملة من العوامل التي تدار بنزعات ذاتية تنافسية تتجاوز مصالح الدولة السورية:
يعد التنافس التركي–الإيراني–العربي في سوريا أداة مثالية لتسريع عملية التفكيك؛ فالقوى غير العربية لم تأت إلى الساحة السورية لمجرد حماية حلفائها أو تأمين حدودها، وإنما لتوسيع مجال نفوذها على أنقاض الدولة الوطنية وتغذية البنى المذهبية والعرقية باعتبارها أدوات وظيفية لإعادة إنتاج الطوائف والهويات المحلية بوصفها بدائل عن الهوية القطرية والعربية الجامعة.
لم يكن الأمر مجرد تدخل عسكري أو دعم سياسي بل هو مشروع متكامل لتفتيت البنى الاجتماعية الراسخة وإعادة توزيع الولاءات داخل المجتمع السوري على أسس ما دون الدولة بهدف خلق كيانات جديدة وظيفتها تأمين النفوذ الخارجي لا بناء الداخل الوطني.
كما أنه لم يكن غياب المشروع العربي عن هذا المشهد عرضيا أو مؤقتا بل يعكس ضمورا طويل الأمد في البنية الفكرية والسياسية للعالم العربي وافتقاره إلى أدوات الفعل الذاتي.
وقد جاءت إيران محمولة على نظريات دينية وتاريخية وتركيا على إرث إمبراطوري تاريخي يتجدد، بينما دخلت القوى العربية الساحة متأخرة ومقسمة دون إطار استراتيجي موحّد، فتصرفت كردة فعل على تهديد لأمنها القطري على الأمن العام، ولم تدخل كفاعل يسعى إلى رسم المسار.
وهكذا تحولت الدول القطرية العربية من فاعل إلى مفعول به ومن مركز قرار إلى ساحة نفوذ تعاد هندستها وفق مصالح الآخرين.
في النموذج السوري يمكن ملاحظة أن التنافس الإقليمي لم يؤد إلى تعزيز أي من أركان الدولة الوطنية بقدر ما ساهم مباشرة في تآكلها؛ فالمؤسسة العسكرية مقسمة والهوية الاجتماعية ممزقة والحدود السياسية تحولت إلى خطوط تماس بين قوى خارجية وفصائل محلية، ومع كل سنة تمر يعاد إنتاج هذه الانقسامات باعتبارها وقائع ثابتة لا استثناءات ظرفية مما يكرس تفكك الدولة القطرية ليس في سوريا فحسب، بل كنموذج يحتذى عند الضرورة في دول عربية أخرى كليبيا والسودان اليمن والصومال وغيرها.
والأدهى من ذلك كله أن هذا التفكيك لا يتم بفعل الغزو المباشر بل من خلال أدوات داخلية تمت تعبئتها وتشغيلها من قبل الفاعلين الإقليميين؛ فالميليشيات والطوائف والواجهات السياسية أصبحت بديلا عن الدولة و تمثل الخارج أكثر مما تمثل الداخل وتؤسس لحالة جديدة تتجاوز الدولة القُطرية من الأسفل لا من الأعلى؛ أي أن التفكك لم يأت نتيجة انفصال نخبوي كما حدث في الإمبراطوريات التقليدية وإنما بفعل تآكل القاعدة الاجتماعية وتفتيت البنى المجتمعية التي تشكل الحامل الحقيقي للدولة.
إن هذا التوظيف المزدوج للتنافس الإقليمي من جهة وللهشاشة البنيوية للدولة القطرية من جهة أخرى يمثل أحد أكثر التحديات خطرا على منظومة الأمن القومي العربي والإسلامي فهو لا يهدد الدولة من الخارج بل يفككها من الداخل عبر إعادة إنتاج المجتمع ذاته كأداة في الصراع لا كفاعل مستقل وبهذا تتحول الدولة من كيان سيادي إلى حقل صراعات بالوكالة وتفقد العروبة معناها السياسي الجامع وتدخل المنطقة مرحلة ما بعد الدولة أو ما قبلها حيث لا أمن قومي ممكن ولا مشروع عربي قابل للحياة إلا بوصفه استثناء لا قاعدة.
وهذا المشروع بدأ بغزو العراق بقيادة بوش الذي ترجم مشروع برنار لويس في أن تفكيك المنظومة العربية يبدأ من العراق باتجاه الشام، وأن هذه الغزو لم يكن مشروعا عسكريا بقدر ما كان مشروعا فكريا ودينيا ترتب عليه تجنيد الدول القطرية العربية والإقليمية ليكون بداية جديدة لتأمر الدول العربية والإسلامية على بعضها، ومعظمها تسعى لإرضاء المركز الأمريكي لضمان بقائها في استعباد شعوبها وتعطيل طموحاتها تحت مظلة الاسترضاء الأمريكي.
وإذا كان من درس يمكن استخلاصه من هذا المشهد، فهو أن التفكك لا يبدأ من الحدود بل من الذوات، وأن غياب المشروع العربي عن الصراع وترك الميدان لمشاريع ماضوية أو مذهبية لا ينتج فقط فراغا سياسيا بقدر ما يكرس لواقع جديد تتآكل فيه الهويات الجامعة وتعاد فيه صياغة الخريطة على نحو يعيد العرب إلى الهامش لا كأمم، بل كمجتمعات بلا مركز ولا مشروع ولا رؤية ولا حضارة.
يمكن تصور سيناريوهات التنافس العربي-التركي-الإيراني على سوريا ومناطق الأزمات العربية على النحو التالي، مستندا إلى ديناميات الواقع السياسي والجغرافي وأدوات النفوذ المختلفة:
بما أن سوريا تقع على نقطة التقاء حيوية لمصالح الأطراف الثلاثة حيث يراها كل طرف مفتاحا لاستراتيجية أوسع في المنطقة فإن إيران تسعى إلى ترسيخ نفوذها عبر دعم الأقليات الشيعية مستغلة الروابط الدينية والسياسية والطائفية لتعميق حضورها على الأرض وبناء ممر استراتيجي يربطها مع لبنان وحزب الله مما يمنحها قوة ردع إقليمية.
أما تركيا فتركز على منع تمدد النفوذ الإيراني قرب حدودها ودعم فصائل معارضة سورية بحيث تستطيع أن تضمن لها نفوذا عسكريا وسياسيا مستقبليا في شمال سوريا مع الاستفادة من وجودها كمحور للاجئين والمناطق الحدودية لتشكيل مناطق نفوذ واسعة تخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية.
وبالنسبة للدول العربية خصوصا دول الخليج ومصر ف تتبنى موقفا متباينا بين دعم فصائل معارضة مختلفة أو إيجاد توازن دبلوماسي بين تركيا وإيران لكنها بشكل عام تسعى إلى الحد من النفوذ الإيراني على حساب تأمين استقرار حكوماتها وحماية مصالحها الجيوسياسية و في بعض الأحيان تتحول الدول العربية إلى ساحات لتنافس مباشر بين القوى التركية والإيرانية خاصة في اليمن ولبنان والعراق.
إن التنافس الإيراني التركي العربي في سوريا لا يمكن اختزاله في صراع جيوسياسي بين دول تتنازع على النفوذ كما لا يمكن فهمه ضمن قوالب التحليل السياسي المباشر أو ضمن مفاهيم الأمن القومي المحدودة بالدولة القطرية وحدودها الجغرافية.
فهذا التنافس إذا ما نظرنا إليه من زاوية أكثر تركيبية يتجاوز ذاته ليصبح أحد مظاهر التصدع العميق في بنية الحضارة الإسلامية المعاصرة وتجليا واضحا لما يمكن أن نسميه تفكك المرجعية الحضارية الجامعة، وهو ما يشير إلى أزمة أكثر جذرية من مجرد انهيار الدولة أو تفكك الجيش أو تعدد الميليشيات.
وفي هذا السياق لا ننظر إلى سوريا إلا من زاوية المشروع الحضاري بفعل عوامل داخلية وخارجية وننظر إليها كساحة تجريب حضاري جديد تتصارع فيها نماذج متعددة للانتماء والهوية والمرجعية، فنحن لا نرى فقط اشتباكا بين أنظمة سياسية تتبع سياسات توسعية أو دفاعية، بل نشهد صراعا بين ثلاث رؤى حضارية كل منها تدعي الانتساب إلى الإسلام، وكل منها توظف هذا الانتساب ضمن مشروعها السياسي القومي الخاص؛ مشروع مذهبي إمبراطوري يعيد إنتاج المركز من خلال الأطراف، ومشروع عثماني محدث يتوسل الرمزية التاريخية لتبرير الهيمنة، ومشروع عربي مفكك لا يملك تصورا واضحا للذات ولا للآخر لأن سوريا الأموية سقط مشروعها بالاستبداد والطائفية وبالانجرار والتبعية ثانيا، كما أن بغداد ومشروعها العباسي سقط أيضا من جهويات كانت أطرافا لهذه الحضارة، ثم تحولت إلى معوقات تفكيكية داخلية.
إن ما نشهده في سوريا ليس غيابا للهوية الإسلامية بل تضخما مفرطا في أنماط جزئية من هذه الهوية حيث يتم اجتزاء الإسلام إلى مذهب أو قومية أو طيف سياسي وتحويله من منظومة حضارية شاملة تعنى بالعدل والكرامة والعمران إلى أداة شرعية تستخدم لتبرير السيطرة والهيمنة.
وهكذا تتفكك المرجعية الإسلامية الشاملة ويعاد إنتاجها ضمن قوالب ضيقة تفرغها من بعدها الكوني والأخلاقي وتحولها إلى مجرد شعارات تحشد الجماهير وتؤسس لشرعية السلاح والاقتتال لا لمشروعية العمران والنهضة.
الأخطر من ذلك، أن هذا التنافس يغذي بدوره نمطا من الوعي الانشطاري داخل المجتمعات الإسلامية نفسها، بحيث لم تعد الهوية الإسلامية عاملا موحدا بل تحولت إلى ساحة انقسام داخلي، فالمسلم اليوم في المشرق العربي لا يجد في انتمائه الإسلامي جسرًا للتواصل مع الآخر بل أداة لتصنيفه واستبعاده أو ضمه وفق مقاييس مذهبية أو سياسية وجهوية، فالإسلام اليوم متعدد الأطياف بين مصري وسعودي ويمني وايراني وتركي ومغاربي، ودولة اعجمية وأخرى عربية وثالثة هاشمية في بيوت من الجهل الذي بدده الإسلام بالتنوير، و هذا على المستوى السياسي وثقافة الدولة الكولونيالية أو الدولة التي شكلها الاستعمار ضمن حدود جغرافية وثقافية وعرقية وتاريخية
وهذه التحولات لا تضرب فقط بنية المجتمعات بل تمس جوهر الفكرة الإسلامية ذاتها، التي نشأت أصلاً بوصفها دعوة لتجاوز العصبيات، وبناء رابطة إنسانية تتأسس على وحدة العقيدة وعدالة النظام.
حين يتحوّل المجال الإسلامي إلى ساحة تنافس على النفوذ تحت مظلة الإسلامي لكن بصور عقائدية وحزبية تضيق مجاله الإنساني والأخلاقي إلى عقائد متطرفة معادية للمعتقدات الأخرى وتستخدم مفاهيم الأمة والدين والشرع لتبرير الاصطفافات الجغرافية والمذهبية والحزبية فإن الحضارة الإسلامية لا تفقد فقط قدرتها على التأثير بل تتراجع إلى الوراء وتعيد إنتاج أنماط من الانقسام ما قبل الحداثي وما قبل الإسلامي في صورة ما بعد حداثية أو جاهلية مفرغة من مضمونها الإنساني والأخلاقي.
وهذا ما نلمحه اليوم في الخطاب السياسي لكثير من الفاعلين في الساحة السورية والعربية والإسلامية حيث تستحضر مفردات الفتح والخلافة والرسالة والأموية والدفاع عن المستضعفين وثارات الحسين ومظلومية آل البيت وجميع تلك المفردات تقحم في سياقات تتنافى جوهريا مع تلك المضامين التي حملها الإسلام لحظة تشكله الأول.
إن انعكاسات هذا التنافس على منظومة الحضارة الإسلامية لا تظهر فقط في البنية السياسية والعسكرية بل في تحولات أعمق تتصل بمفهوم الإنسان وإنسانيته، والعدل وقيمه والغاية ومصالحها، فما يجري في سوريا هو اختلال في مركز الثقل الحضاري حيث تغيب الفكرة الجامعة التي تستطيع أن تحتوي الاختلاف وتعيد ترتيب الأولويات وتحول دون انفجار المجتمع من الداخل.
إننا نشهد اليوم لحظة يعاد فيها تعريف العلاقة بين الدين والدولة وبين المقدس والتاريخ وبين العقيدة والمصلحة على نحو يجعل من الإسلام ذاته مادة للصراع بدلا من أن يكون إطارا لاحتوائه.
إن الحضارة الإسلامية لم تكن مشروعا سياسيا صرفا وإنما كانت منظومة متكاملة من المعاني والمبادئ والكليات الإنسانية والأخلاقية والنبوية تهدف إلى إضفاء الاتساق على الواقع وربط الإنسان بالسماء وتقييد السلطة بالشرعية الأخلاقية. أما اليوم فإن هذا المشروع يواجه خطر التحلل الداخلي ليس بفعل العدو الخارجي فحسب وإنما بسبب التوظيف الأداتي للدين واختزال الإسلام إلى مكونات قابلة للدمج في مشاريع سلطوية متصارعة لا تعترف إلا بذاتها ولا ترى الآخر إلا خصما أو غنيمة.
ولعل أول خطوة نحو استعادة الحضارة وتجاوز لحظة الانقسام هي إعادة بناء المرجعية الإسلامية بوصفها منظومة أخلاقية وإنسانية تتجاوز الانتماءات الضيقة وتعيد تعريف الإنسان كذات حرة مسؤولة لا كأداة في مشروع سياسي.
عندها فقط يمكن للإسلام أن يعود ليكون رافعة حضارية لا أداة للهيمنة وعندها فقط يمكن أن تعود سوريا والمشرق العربي مجالا للتجديد والبناء لا مجرد حطام يتنازع عليه بلا مركز ولا بوصلة.
في عالم ما بعد الحرب الباردة لم تعد النزاعات تتخذ شكل صراعات أيديولوجية بين الرأسمالية والشيوعية بل أعادت البشرية تعريف ميدان الصراع من خلال عودة الهويات الحضارية إلى الواجهة بوصفها الإطار الأعمق الذي يحدد علاقات الدول والمجتمعات وتفاعلاتها في أزمنة الاستقرار كما في لحظات الانفجار.
وفي هذا الإطار يمكن فهم ما يجري في سوريا – وفي العالم الإسلامي عموما – ليس باعتباره مجرد أزمة داخلية أو حتى صراعا إقليميا محدودا بل كجزء من صراع حضاري أشمل تتفاعل فيه قوى كبرى وإقليمية لتفكيك ما تبقى من بنية حضارية إسلامية تنظر إليها هذه القوى بوصفها الآخر الحضاري الأكثر تماسا والأكثر تحديا للمنظومة الغربية الكونية.
ليست الحضارة الإسلامية في هذا التصور، مجرد كيان تاريخي وإنما هي منافسة حية وإن بدت منهكة، فهي تمتلك مقومات الاستمرارية وموارد معنوية وثقافية هائلة، ولهذا فإن القوى العظمى لا تنظر إليها فقط من منظور الخطر الأمني أو الراديكالية بل كحاضنة لهوية متميزة يمكن أن تستعيد فاعليتها في لحظة تاريخية ما فتتحدى النموذج الحداثي الغربي في العمق.
وعليه فإن إدارة التنافس مع هذه الحضارة لم تعد تتخذ شكل المواجهة المباشرة بل تجري على مستويات أكثر تعقيدا عبر دعم الانقسام الداخلي، ونزعات التسلط والتكاثر المادي، وحب الهيمنة والتفرد والاستبداد وتعزيز الصراعات الهوياتية وتشجيع القوى الإقليمية على خوض صراعاتها داخل المجال الإسلامي لتتحول الحضارة الإسلامية من بنية متماسكة إلى فضاء متنازع عليه.
في سوريا كنموذج استقرت فيها حضارة غزت العمق الأوربي وغيرت معالمه حيث يتجلى هذا التنافس في صورة صراع مركب تلعب فيه القوى العظمى دور المشرف على عملية التفكك الحضاري.
و تترك القوى الإقليمية إيران وتركيا وبعض القوى العربية لتخوض معاركها الطائفية والمذهبية والقومية تحت مظلة إدارة الصراع لا حله.
فبدلا من السعي إلى استقرار الدولة يجري تشجيع إعادة هندسة الهويات المجتمعية بما يضمن عدم قيام أية وحدة حضارية إسلامية مرة أخرى ويتم ذلك من خلال تحويل الدين وهو البنية الأعمق في الحضارة الإسلامية إلى عامل تفجيري داخلي لا إلى رابط جامع مما يسهل تذويب النسيج الحضاري في صراعات أهلية لا تنتهي.
وتكمن خطورة هذا النمط من التفكيك الحضاري في كونه لا يقتصر على إضعاف الدولة أو إسقاط النظام بل يطال الوعي الجمعي ويعيد تشكيل الإدراك الذاتي للمجتمعات الإسلامية نفسها فيعاد تعريف الإسلام حضاريا لا كمنظومة قيم وإنما كهوية مهددة أو كمصدر للعنف.
وتجرى عملية إعادة ترميز المفاهيم الإسلامية الأساسية مثل الأمة، الشورى، العدالة، الجهاد بحيث تفقد معناها الأصلي وتستبدل بمعان جزئية تؤسس للاقتتال لا للتكامل.
إن القوى الكبرى بحسب هذا التصور لا تدخل مباشرة في معارك داخل الحضارة الإسلامية بل توزع الأدوار على القوى الإقليمية وفق منطق “فرق تسد”، لتستنزف طاقاتها في معارك جانبية وتبقيها خارج الفعل الحضاري العالمي، فبينما تخوض تركيا صراعا بمرجعية تاريخية عثمانية وتستدعي إيران مشروعا إمبراطوريًا مذهبيا، تنكفئ الدول العربية بين استجابة أمنية عاجلة أو صمت استراتيجي مريب.
أما الفاعل الغربي فيبقى حاكما للعبة يعيد ضبط الإيقاع متى اقتربت أي من هذه القوى من فرض توازن جديد أو صيغة استقرار لا تخدم استمرارية التفكك.
إن الحضارة الإسلامية في هذا السياق لا تحاصر عسكريا فقط بل تفكك معرفيا وثقافيا، بحيث يتم تحويلها من مشروع جامع إلى أرشيف متنازع عليه ومن رؤية عالمية إلى سلسلة من الولاءات المحلية الضيقة.
ولعل الهدف النهائي من هذا التنافس الحضاري المدار هو أن تفقد المجتمعات الإسلامية القدرة على توليد مشروعها الذاتي وأن تبقى أسيرة تصورها للذات كما يحدده الآخر إما كتهديد أو كضحية لا كفاعل مستقل يمتلك مرجعيته وموقعه في التاريخ.
وبهذه الطريقة يتحقق التحييد الحضاري الكامل وهو أخطر من الهزيمة العسكرية لأنه لا يبقي من الحضارة إلا الاسم والذاكرة الخاملة، بينما تفرغ مضامينها من الداخل وتعاد تعبئتها بأدوات تستخدم ضد ذاتها، هذا هو الشكل الجديد من الصراع الحضاري لا عبر الجيوش والجبهات وإنما عبر الانقسامات الداخلية وإعادة تعريف المفاهيم وتحويل الهوية إلى عبء والإرادة إلى ترف جانبي، والمنافسة الحقيقية إلى المنافسات الرياضية التي كانت مجرمة في تاريخ بريطانيا القديم ثم تحول إلى أداة دبلوماسية لإشغال العالم الإسلامي عن دوره الإنساني القيمي العالمي، والتاريخ إلى ساحة صراع لا إلى رؤية تتجدد وتعيد ردم الفجوات ومعرفة مكامن الإخفاقات .
ما يجري في سوريا هو أحد المختبرات الكبرى لهذا النمط الجديد من إدارة الصراع بين الحضارات لا تدمير مباشر بل تفكيك ذاتي بتوجيه خارجي لا احتلال بالجيوش وإنما احتلال بالتصورات والأدوات المحلية والانقسامات المصممة بعناية.
بينما تستنزف الحضارة الإسلامية طاقتها في إدارة الانقسام يحتفظ الآخر بقوة التشكيل. وهذه هي النتيجة الحقيقية للتنافس الحضاري في عصر ما بعد القطبية أن تتحول الحضارات من فواعل إلى ساحات.
إن الإدارة الأمريكية في سوريا والشرق الأوسط تعمل وفق رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق مصالح حليفتها الأساسية في المنطقة، إسرائيل عبر تعزيز موقعها الأمني والجغرافي.
هذا النهج لا يقتصر على حماية الحدود الإسرائيلية فحسب بل يتعداه إلى بناء شبكة نفوذ وتوسعات متدرجة تضمن الهيمنة على رقعة أوسع من الأرض بدءا من السيطرة على فلسطين، مرورا بالتوسع التدريجي نحو سوريا، ثم الأردن، والعراق، وصولا إلى سيناء.
وفي فلسطين تتجسد الأولوية الأمريكية في دعم الاستقرار الأمني لإسرائيل من خلال ضمان بقاء المعادلات العسكرية والسياسية التي تمنع أي تهديد مباشر لأمنها مع الحفاظ على التفوق التكنولوجي والاستخباري.
هذا الدعم يترافق مع سياسات تتجاهل أو تحد من حقوق الفلسطينيين بما يعزز من الهيمنة الإسرائيلية على الأرض.
أما سوريا فتعتبر بوابة أساسية في خطة الإدارة الأمريكية حيث تستخدم الأزمة السورية كفرصة لتقويض النفوذ الإيراني والروسي اللذين يشكلان تهديدا استراتيجيا لإسرائيل عبر دعم فصائل معينة وإقامة قواعد عسكرية ومناطق نفوذ تسعى الولايات المتحدة إلى إبقاء سوريا في حالة هشاشة تسمح بصد أي محاولة لتغيير موازين القوة الإقليمية لصالح حلفاء إيران.
إن التوسع العضوي سيستمر نحو الأردن الذي يشكل جبهة حيوية للحفاظ على استقرار المنطقة مع وضع الضغوط السياسية والاقتصادية لضمان تحالفه وثبات موقفه بما يخدم الأهداف الأمريكية-الإسرائيلية.
إن العراق الذي كان مركزا للصراع والتنافس يعد كذلك نقطة استراتيجية حيث تسعى الإدارة الأمريكية للحفاظ على وجود عسكري يسمح بمراقبة وتحجيم النفوذ الإيراني، وفتح المجال لتشكيل توازنات إقليمية تصب في صالح إسرائيل.
وتشكل سيناء الخطوة الأخيرة في هذا التوسع حيث تتخذ الإدارة الأمريكية إجراءات لتعزيز الأمن الإسرائيلي عبر السيطرة شبه الكاملة على المنطقة من خلال دعم قوات أمنية معينة وتحجيم نفوذ الجماعات المسلحة ما يجعل سيناء منطقة عازلة مهمة بين مصر وإسرائيل.
بصورة عامة، تدار هذه السياسة الأمريكية بمنطق مركزي يرتكز على ضمان تفوق إسرائيل الأمني والجغرافي عبر سلسلة من التحركات المدروسة التي تستخدم الأزمات الإقليمية والتوازنات السياسية لفرض واقع جديد يعزز من نفوذ واشنطن وحلفائها في المنطقة مع ما يترتب على ذلك من تحديات جسيمة للأمن والاستقرار العربي.
كما تتداخل الاستراتيجيات السياسية مع بعض التفسيرات الدينية والتاريخية لدى بعض التيارات المتطرفة التي تستند إلى نصوص من التوراة لتبرير توسيع النفوذ والسيطرة على أراض جديدة وخاصة في مناطق مثل سوريا والأردن.
و في هذا السياق يمكن القول إن بعض السياسات والممارسات تسير ضمن إطار محاولة تحقيق رؤى توسعية ترتبط بفكرة الأرض الموعودة التي تبرز في بعض التيارات الدينية الصهيونية.
وبعد تثبيت السيطرة الأمنية والجغرافية في فلسطين ثم توسيع النفوذ في سوريا والأردن والعراق وسيناء، تتكامل هذه الخطوات في مخطط طويل الأمد يسعى إلى تحقيق توسعات استراتيجية تعتمد على تصعيد التدخلات وخلق حالات هشاشة واستقطاب داخل المجتمعات المحلية مما يمهد الطريق لفرض السيطرة على الأرض بشكل تدريجي.
وتستخدم في هذا المسار أدوات متعددة منها دعم حركات سياسية أو عسكرية تابعة أو متحالفة و تبرير الإجراءات الأمنية والسياسية بحجج دينية أو تاريخية وتنفيذ عمليات استيطانية وتوسعية.
كما يتم استثمار الانقسامات الطائفية والعرقية لزيادة التشظي وتفتيت النسيج الوطني للدول المستهدفة ما يسهل عملية الاحتلال والسيطرة.
هذه الرؤية تستند إلى فرضية مفادها أن السيطرة على هذه الأراضي جزء من تحقيق وعد تاريخي وديني وهو ما يجعل الصراع في المنطقة يحمل أبعادا معقدة تجمع بين السياسة، الدين، والتاريخ، ويزيد من تعقيد فرص الحل السياسي والانسجام الإقليمي.
في النهاية إن هذا التداخل بين السياسة والتفسيرات الدينية إلى جانب التوازنات الدولية والإقليمية يخلق واقعا متشابكا يصعب فصله ويعزز من استمرار حالة الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة مع ما يحمله ذلك من تداعيات على شعوبها وأمنها القومي.
سيناريوهات الأزمات في هذه المناطق تتضمن مراحل تصعيد وتصعيد مضاد إذ قد تتطور التوترات إلى صراعات بالوكالة وتستخدم كل قوة أدواتها السياسية والعسكرية والاقتصادية لفرض إرادتها بينما تظل القوى الدولية الكبرى تراقب أو تتدخل وفق مصالحها مما يزيد من تعقيد المشهد.
على المدى المتوسط، هذا التنافس قد يؤدي إلى:
استمرار حالة الانقسام وعدم الاستقرار في سوريا والدول المجاورة.
تعزيز أدوار الميليشيات والفصائل المسلحة كأدوات نفوذ إقليمية.
تفتيت السلطة المركزية لصالح محاور نفوذ متعددة.
زعزعة الأمن الإقليمي، مع تداعيات سلبية على التنمية والاقتصاد.
ويمكن القول إن التنافس العربي-التركي-الإيراني في سوريا ومناطق الأزمات العربية هو أحد الأوجه المعاصرة لصراع أعمق على الهوية والنفوذ في الشرق الأوسط حيث كل طرف يسعى لإعادة تشكيل المنطقة بما يتوافق مع مصالحه الاستراتيجية بينما تدفع هذه الديناميات بمزيد من التعقيد والتهديدات لاستقرار الشعوب والدول.
وفي ضوء التنافس المتصاعد بين القوى الكبرى على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، تبرز سيناريوهات متعددة تعكس أبعادا استثمارية واستعمارية تؤثر بشكل سلبي على توازن القوى الإقليمية الكبرى وعلى الأزمات المستمرة في دول الصراعات العربية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا.
هذا التنافس لا يقتصر على صراع مباشر بين تلك القوى بل ينطوي على إعادة صياغة مدروسة لمناطق النفوذ والسيطرة ىعبر أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية مما يؤدي إلى تفكيك تدريجي للمحاور الإقليمية الكبرى.
أولا تواجه تركيا وإيران اللتين تشكلان قطبين إقليميين فاعلين ضغوطًا متزايدة من القوى الكبرى التي تسعى إلى تقويض محاولاتهما لتوسيع نفوذهما.
هذه الضغوط تتخذ أشكالا متعددة منها دعم قوى محلية وعشائرية وفصائل مسلحة في مناطق الأزمات وزعزعة الاستقرار الداخلي عبر التدخلات السياسية والاستخباراتية. النتيجة هي حالة من الانقسام والتشتت داخل تلك الدول مما يعيق استقرارها وقدرتها على فرض سيطرتها، وبالتالي يقلص من نفوذها الإقليمي.
في مصر والسعودية المحوران العربيان التقليديان تتعمق التحديات بفعل التداخل بين الأزمات الداخلية والتهديدات الإقليمية و تدخل القوى الكبرى في هذه الدول غالبا ما يكون عبر أدوات اقتصادية وضغط دبلوماسي فضلا عن محاولة تحييد تأثيرها في ملفات الصراع المفتوحة.
ويؤدي هذا إلى تعزيز حالة من التردد والضعف السياسي و ينعكس سلبا على قدرة هذه الدول على التعامل بفعالية مع الأزمات المحيطة.
أما دول الأزمات – سوريا، العراق، اليمن، وليبيا – فتعاني من تصاعد متواصل في الصراعات الداخلية التي تستخدمها القوى الكبرى كميادين نفوذ وأدوات ضغط.
وأن الدعم المتبادل لفصائل مختلفة يزيد من حالة الفوضى مما يجعل فرص التسوية السياسية بعيدة ويفتح الباب أمام تدخلات مستمرة تكرس حالة الانقسام وتفكيك الدولة. هذا الوضع يعزز من استنزاف الموارد والقدرات المحلية ويطيل أمد المعاناة الإنسانية ويعيق فرص التنمية.
على الصعيد الاستراتيجي يعيد التنافس الدولي إحياء أساليب قديمة للاستعمار الجديد حيث تقسم المنطقة إلى مناطق نفوذ وتدار عبر وكلاء محليين مع تقليل دور الدولة المركزية.
هذا النموذج يؤدي إلى حالة من الركود والتراجع الحضاري والسياسي ويفاقم من أزمات الهوية والاستقرار ويجعل من الصعب على القوى الإقليمية الكبرى استعادة زمام المبادرة.
ومن المتوقع أن يستمر هذا التنافس في تفكيك القوى الإقليمية الكبرى وأن تبقي المنطقة في حالة من الأزمات الممتدة حيث تستخدم الأزمات المحلية لتصفية النفوذ وبسط السيطرة الخارجية، وهو ما يتطلب رؤية استراتيجية عربية وإقليمية قادرة على تجاوز هذه الديناميات وتعزيز الوحدة والقدرة على مواجهة التحديات المتعددة بما يقطع الطريق على محاولات الاستعمار الجديد ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار والتنمية.