المصالحة اليمنية: دراسة تحليلية في الإطار القانوني للأزمة اليمنية وإمكانات الحل السياسي
المصالحة اليمنية: دراسة تحليلية في الإطار القانوني للأزمة اليمنية وإمكانات الحل السياسي
د. جمال الهاشمي
أولا: الإطار القانوني للنزاع اليمني
يشكل الصراع في اليمن أحد أبرز التحديات الأمنية والقانونية في المنطقة، حيث تتداخل مكونات متعددة تتنوع بين الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، وجماعة الحوثي المسلحة والميليشيات القبلية وتنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” وداعش وقد أفرز هذا التداخل واقعًا ميدانيا معقدا يعرقل جهود السلام ويهدد الأمن الإقليمي والدولي.
تتطلب المعالجة الفاعلة لهذا الوضع إطارا استراتيجيا قانونيا وإداريا متكاملا يتماشى مع أحكام القانون الدولي لا سيما القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مع ضرورة احترام سيادة الدولة اليمنية وضمان مصالح الشعب اليمني.
إنه في ظل تفكك مؤسسات الدولة اليمنية وبروز الحاجة الملحة لبناء عقد اجتماعي جديد تعد المصالحة الوطنية ضرورة تاريخية وسياسية حيث لا يكفي الخطاب التصالحي بل لا بد من ترجمته إلى منظومة قانونية ودستورية فاعلة تحفظ الحقوق وتؤسس لمستقبل جامع حيث تهدف هذه الرؤية إلى ترتيب عناصر التحول من الحوار إلى التشريع ومن التفاهم إلى الدستور.
لماذا فشلت الآليات القانونية والدولية في اليمن؟
إن القانون الدولي فشل لافتقاره لقوة تنفيذية حقيقية، وأن المجتمع الدولي تخاذل لأنه يرى في اليمن حربا غير مكلفة كما تعد أزمة اليمن أزمة محلية بأبعاد دولية وهنا يجب على الشعب تحديد أسباب فشل استعادة الدولة والتي من أسبابها:
- الفيتو السياسي في مجلس الأمن فالدول الكبرى تتعامل مع الملف اليمني بمنطق المصالح لا المبادئ حيث نجد روسيا والصين وأحيانا الغرب نفسه لا يمررون قرارات حاسمة لأنهم لا يريدون من اليمن ورقة ضغط سياسية يدفع ثمنها الشعب اليمني.
- غياب الإرادة الدولية الجادة حيث لا توجد قوة دولية راغبة فعلا في فرض السلام أو تفكيك المليشيات حيث يتعمد المجتمع الدولي إدارة الأزمة وليس الخروج منها .
- فساد بعض أطراف الشرعية من خلال اختراق بعض مكوناتها وتحويلها من مكون وطني يسعى لاستعادة الدولة إلى طرف في الصراع عليها مما أفقده المصداقية.
- التحالفات القبلية والمناطقية والجزبية حيث توجد قوى محلية مستفيدة من استمرار الفوضى وتغذية النزاعات ولها مراكز دولية بأدوات تنفيذية في الداخل.
- ضعف مؤسسات الدولة اليمنية، فالدولة لم تعد قادرة على إنفاذ القانون لأن البنية الإدارية والأمنية منهارة أو تابعة لمراكز نفوذ.
ويشكل النزاع اليمني المسلح منذ عام 2014، حالة نموذجية لانهيار الدولة وفشل الانتقال السياسي وفقا لمعايير القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني ويمكن تصنيف الوضع القانوني بحسب التوصيفات التالية:
- حالة نزاع داخلي مسلح بحسب المادة 3 المشتركة من اتفاقيات جنيف نتيجة سيطرة جماعة الحوثي المسلحة على مؤسسات الدولة.
- تدخل خارجي بناء على طلب الحكومة الشرعية وفقا لرسالة الرئيس عبد ربه منصور هادي المؤرخة في مارس 2015 التي استند إليها لتبرير التدخل العسكري بقيادة السعودية (التحالف العربي).
- انقسام السيادة وازدواجية السلطة ما أدى إلى نشوء سلطات أمر واقع متعددة بعضها لا يخضع لمساءلة دولية.
هذا التوصيف المعقد فرض إشكالات قانونية تمس شرعية الأطراف وأهلية التفاوض وإمكانات المصالحة ومن هنا فإننا نرى الحل يبدأ من إعادة ضبط البوصلة داخليا ثم فرض الأمر واقعا ذكيا عبر الحلفاء القادرين على التحرك خارج الأطر البيروقراطية الجامدة.
ثانيا: مبدأ المصالحة في القانون الدولي والدستوري
المصالحة وفق المفهوم القانوني ليس اتفاق سياسي وإن كان منه بقدر ما هو عملية مؤسسية تتضمن:
- وقف شامل للقتال
- نزع السلاح
- عودة مؤسسات الدولة
- تحقيق العدالة الانتقالية
- ضمانات دستورية لتمثيل شامل وعادل
وذلك استنادا إلى:
- مبادئ الأمم المتحدة بشأن العدالة الانتقالية 2004
- قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ولا سيما القرار 2216 -2015
- الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان وسيادة القانون
وبالتالي فإن أي مصالحة لا تشتمل على هذه العناصر تعد منقوصة من حيث الأهلية القانونية والاستدامة السياسية.
ثالثا: إشكالات قانونية تعيق المصالحة اليمنية
- تعدد السلطات وصعوبة تحديد الطرف المخول قانونا بالتفاوض.
- الحكومة المعترف بها دوليا تعاني من ضعف فعلي في السيطرة على الأرض.
- جماعة الحوثي تعد طرفا غير معترف به دوليا لكنها تمارس سلطة أمر واقع ما يثير جدلا حول مدى أهلية توقيعها على اتفاقات ملزمة
- غياب إطار دستوري شرعي حيث تم تعطيل العمل بالدستور اليمني لعام 1991 عمليا دون صدور إعلان دستوري بديل.
- غياب الأطر الدستورية أو القواعد القانونية الانتقالية للشروع في المصالحة الوطنية الشاملة.
- المجلس الانتقالي الجنوبي يطالب بالانفصال ما يهدد وحدة الدولة ويصطدم بمبادئ السيادة الوطنية المنصوص عليها في القانون الدولي.
- لا يوجد إطار قانوني واضح لإجراء استفتاء تقرير مصير في ظل النزاع الحالي.
- غياب العدالة الانتقالية والتزامات الدولة تجاه الضحايا من خلال عدم العمل على:
- تأسيس هيئة مستقلة لتقصي الحقائق أو جبر الضرر.
- الجرائم المرتكبة قد تندرج ضمن الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف وتستدعي محاسبة قضائية ما يجعل العفو الشامل باطلا قانونا إن صدر.
رابعا: نحو مصالحة قانونية مستدامة؛ الشروط والضمانات
- إعادة الشرعية المؤسسية.
- إصدار إعلان دستوري مؤقت يشمل جميع المكونات.
- تشكيل حكومة وحدة انتقالية بصلاحيات تشريعية وتنفيذية واضحة.
- تشكيل هيئة عدالة انتقالية مستقلة تتولى التحقيق في الانتهاكات وتحديد المسؤوليات وفقا للمعايير الدولية (اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اتفاقية روما)
- اتفاق قانوني دولي تحت رعاية الأمم المتحدة يكون ملزما وموثقا دوليا لا مجرد إعلان عن النوايا يتضمن آلية رقابة وتقييم دورية .
- استفتاء شعبي دستوري عام لإقرار شكل الدولة (فيدرالية، مركزية، كونفيدرالية) بموجب ضمانات وإشراف دولي.
خامسا: ملاحظات واستنتاج قانوني
إن المصالحة اليمنية، بصيغتها الراهنة تفتقر إلى البناء القانوني الصارم فهي تدور بين قوى الأمر الواقع بلا إطار دستوري وتدار بإشراف دولي غير ملزم وهذا ما يجعل معظم الاتفاقيات هشة وقابلة للانهيار.
والمطلوب إذا هو نقل ملف المصالحة من الطابع السياسي الفضفاض إلى طاولة قانونية ملزمة تضمن الحقوق وتحدد الواجبات وتعيد الاعتبار للشرعية القانونية كمبدأ حاكم لا مجرد غطاء تفاوضي.
وفيما يلي أبرز النصوص والقرارات الدولية ذات الصلة بـالمصالحة اليمنية والمستخدمة كأساس قانوني لتحليل النزاع وآفاق تسويته:
أولا: القانون الدولي الإنساني وفقا للمواد التالية:
المادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع (1949) وتنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية حيث تنص على: “في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي يقع داخل أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة يتعين على كل طرف في النزاع أن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
- معاملة إنسانية لجميع الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية.
- حظر القتل والتعذيب والمعاملة القاسية.
- وجوبية جمع الجرحى ورعايتهم
وتعد هذه المادة القاعدة الأساسية ملزمة لكل الأطراف غير الحكومية بمن فيهم الحوثيون.
ثانيا: قرارات مجلس الأمن ذات الصلة
القرار 2216 لعام 2015 المعتمد تحت الفصل السابع ويتضمن:
- التأكيد على الشرعية الدستورية للرئيس عبده ربه منصور هادي وهنا ندعو إلى إعادة التأكيد على قيادة وطنية منتخبة شعبية برعاية الأمم المتحدة.
- مطالبة الحوثيين بالانسحاب من المؤسسات الحكومية ووقف أعمال العنف وهنا ندعو إلى مطالبة كافة المكونات وأصحاب النفوذ الانسحاب من المؤسسات الحكومية ووقف أعمال العنف وتسليمها إلى القيادة الشعبية.
- فرض عقوبات دولية على قادة حوثيين بارزين وهنا ندعو بدلا عنها إلى تأسيس محكمة محايدة تتشكل أعضاءها من أعضاء محليين ودوليين.
- دعم عملية انتقال سياسي سلمي وشامل بإشراف الأمم المتحدة.
ورغم كونه قرارا ملزما إلا أن غياب آلية تنفيذ قوية جعله منقوص الفاعلية ومن هنا نضيف إليه بعدا إجرائيا لإعادة تفعيل الصرامة في تطبيق القوانين الملزمة على كافة المستويات وبكل التوجهات .
ثالثا: قواعد العدالة الانتقالية ومبادئ الأمم المتحدة (2004)
العدالة الانتقالية تشمل كامل النطاق من العمليات والآليات القضائية وغير القضائية.. بما في ذلك الملاحقة الجنائية وتقصي الحقائق وجبر الضرر والإصلاح المؤسساتي والمصالحة وتمثل هذه المبادئ الإطار المعياري الذي يفترض أن ترتكز عليه أية مصالحة عادلة.
رابعا: ميثاق الأمم المتحدة
المادة (2/4) يمتنع أعضاء المنظمة في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة ذات صلة بعمليات التدخل العسكري الخارجي ومطالبة جميع الأطراف باحترام السيادة الوطنية.
خامسا: اتفاقية روما (1998) – المحكمة الجنائية الدولية:
وتنص على إمكانية محاكمة:
- جرائم الحرب
- الجرائم ضد الإنسانية
- جرائم الإبادة
- جرائم العدوان
وفي حال حدوث انتهاكات ممنهجة أو تصديق اليمن أو إحالة مجلس الأمن الملف في اليمن فإن المحاسبة الجنائية الدولية تظل واردة.
وميثاق الأمم المتحدة، المادة 39 التي تعطي لمجلس الأمن صلاحية اتخاذ إجراءات لإعادة السلم والأمن الدوليين.
والقانون الدولي الإنساني الذي يميز بين المقاتلين والمدنيين ويمنع استخدام المدنيين كدروع بشرية ويجرم الانتهاكات مثل: التجنيد القسري للأطفال وزرع الألغام والهجمات على الأعيان المدنية.
اتفاقيات مكافحة الإرهاب الدولية مثل الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب التي توجب على الدول ملاحقة الجماعات الإرهابية وتجفيف مصادر تمويلها.
سادسا: الدستور اليمني (1991) – المواد ذات الصلة
المادة (1) : الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ.
المادة 4: الشعب مالك السلطة ومصدرها.
وكل هذه يظهر أن أي مشروع انفصالي أو يتجاوز الشعب يعد غير دستوري بدون العودة إلى الاستفتاء العام.
والسؤول المسؤول هو في كيفية الانتقال من مؤتمر مصالحة وطنية إلى منظومة قوانين ودستور فاعل.
وهنا لا بد من الخطوات التالية:
أولا: الانتقال من الطاولة إلى النص القانوني عبر عدة مراحل من التحول
- مؤتمر المصالحة الوطني (الشعبي والأكاديمي).
يعقد بمشاركة شاملة من ممثلين عن مختلف المكونات السياسية، القبلية، النسوية، الشبابية، والأكاديمية، ويكون له هدفان:
- إنتاج إعلان مبادئ وطنية شاملة.
- صياغة مسودة ميثاق وطني انتقالي يتضمن ما يلي:
- الرؤية المشتركة للدولة (الهوية – شكل الحكم – العدالة – الحقوق)
- مبادئ العدالة الانتقالية.
- تصور أولي لشكل السلطة التنفيذية والتشريعية المؤقتة
- آلية لإنشاء لجنة صياغة دستور.
هذا الإعلان لا يكون ملزما قانونيا وإنما يمثل المرجعية السياسية والاجتماعية للمرحلة التالية:
- تحويل إعلان المبادئ إلى قانون انتقالي نافذ يتم عبر تشكيل سلطة انتقالية شرعية سواء عبر حكومة وحدة وطنية انتقالية بموجب اتفاق سياسي بين الأطراف أو مجلس رئاسي انتقالي توافقي يصدر مرسوما يحمل قوة القانون وهنا يكون الإعلان عن:
- الإعلان الدستوري المؤقت الذي يبطل العمل بالدستور القديم أو يجمده
- تنظيم المرحلة الانتقالية (المدة – الصلاحيات – تشكيل السلطة)
- تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث (القضاء، التنفيذ، التشريع المؤقت)
ويعد هذا الإعلان أول وثيقة قانونية ملزمة ينتج عن المصالحة ويستمد شرعيته من:
- التوافق الوطني
- الدعم الشعبي
- الاعتراف الدولي والأممي
- إنشاء هيئة قانونية لصياغة الدستور وتتشكّل بموجب نص دستوري مؤقت و تضم خبراء دستوريين و ممثلين عن الأقاليم و النساء والمجتمع المدني وتعمل وفق جدول زمني محدد وتقدم مسودة خلال 6–12 شهرا ويعرض الدستور الجديد لاحقا على استفتاء شعبي عام أو هيئة تشريعية انتقالية منتخبة للمصادقة عليه.
- تحول مقررات المصالحة إلى تشريعات نافذة عبر تشكيل سلطة تنفيذية وتشريعية مؤقتة أو حكومة وحدة وطنية ومجلس نواب انتقالي، وتحال جميع التوصيات الناتجة عن مؤتمر المصالحة إلى هذه السلطات بحيث تتحول إلى:
- قوانين عدالة انتقالية (محاكم، تعويض، إصلاح أجهزة الأمن)
- قوانين تنظيمية جديدة (الأحزاب، الإعلام، اللامركزية، الانتخابات)
- الضمانات:
- وجود آلية رقابة دولية (UN, EU, AU) تراقب التزام الأطراف.
- ضمان حيادية القضاء الانتقالي في حال حصول محاكمات.
- تحصين الإعلان الدستوري من الطعن من أي جهة سياسية.
- مأسسة كل النتائج؛ أي لا تبقى التوصيات أخلاقية بل تتحول إلى قوانين تنشر وتطبق.
- تفعيل مبدأ القوة في فرض القرارات بموجب القرارات المؤسسية.
- إنشاء بعثة أممية متعددة المهام لدعم تطبيق الحلول الإدارية والأمنية والسياسية على غرار بعثات الأمم المتحدة في مناطق النزاع.
- دعم عملية سلام شاملة تشمل جميع الأطراف السياسية الفاعلة والمجتمعات المحلية مع استبعاد الجماعات المسلحة غير النظامية من أي مكاسب سياسية دون تفكيكها.
- فرض العقوبات الفردية على معرقلي الحل السلمي من جميع الأطراف بما يشمل تجميد الأصول وحظر السفر، والمساءلة الدولية
مقاربة ومقارنة بين اليمن والتجارب الدولية:
- جنوب إفريقيا انتقلت من إعلان كيب تاون إلى دستور 1996 عبر هيئة تمثيلية ودستور مؤقت.
- تونس أصدرت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة مراسيم لها بموجب قوة القانون.
- السودان (2019 موجب الوثيقة الدستورية التي وقعتها القوى السياسية والعسكرية بوساطة دولية وأسست لمرحلة انتقالية رغم تعثرها لاحقا.
سابعا: إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية مبادئ حيادية، مهنية و خضوع للمساءلة المدنية من خلال الخطوات التالية:
- مراجعة وتدقيق كوادر الأمن والجيش.
- توحيد الأجهزة الموازية والمليشيات في مؤسسة وطنية واحدة.
- تدريب عناصر الأمن وفق مبادئ حقوق الإنسان.
- إنشاء لجنة وطنية لإعادة الدمج والتسريح بإشراف دولي.
ثامنا: المؤسسات التنفيذية:
- مجلس الرئاسة الانتقالي ومهمته الإشراف العام على المرحلة الانتقالية
- اللجنة العليا للمصالحة ومهمتها تنفيذ قرارات العدالة والمصالحة
- اللجنة القانونية والدستورية صياغة التشريعات الانتقالية
- لجنة الأمن وهيئة الدفاع الموحدة تطبيق الإصلاح الأمني
- لجنة المتابعة والتقييم الدولية مراقبة الالتزام بالجدول الزمني
تاسعا: الضمانات الدستورية للمصالحة:
- تحصين مبدأ عدم العودة إلى الحرب في نصوص الدستور الجديد.
- نص دستوري على تشكيل هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية.
- ضمان مشاركة النساء والشباب في الحياة العامة بنسبة لا تقل عن 30%.
- دسترة مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
- تضمين مبادئ حقوق الإنسان والمعايير الدولية في ديباجة الدستور.
عاشرا: استراتيجية تفكيك المكونات مقابل ضمانات
- عرض مبادرة دولية لنزع السلاح مقابل حصانة مشروطة وليس عفوا عاما
- دمج من لم تتلطخ أيديهم بالدماء ضمن جهاز الدولة بشروط صارمة
- إنشاء قوة أمنية عربية مستقلة تحت مظلة جامعة الدول العربية تنفذ وقف إطلاق نار وتراقب نزع السلاح، وتحمي المدنيين.
- فرض السلام بالقوة الناعمة والقوة الذكية
- حصار سياسي واقتصادي وتقني على الجماعات المسلحة لا على الشعب عبر تجميد أموال ومنع السفر وإغلاق القنوات الإعلامية الممولة للفوضى.
- تمكين المجتمع اليمني من الداخل
- دعم القوى المدنية؛ النساء و النقابات والطلاب في استعادة الحياة السياسية.
- الضغط لفتح المجال لقيادات جديدة تمثل اليمنيين لا الخارج.
عاشرا: مقترح التمويل الدولي للعدالة الانتقالية وتحديد مصادر التمويل:
- الأمم المتحدة (UNDP, OHCHR)
- البنك الدولي
- الاتحاد الأوروبي
- مبادرة MPTF – الصندوق المتعدد الشركاء للسلام والعدالة
وتتم آلية الصرف عبر:
- صندوق وطني مستقل تحت إشراف دولي.
- آلية رقابة مالية رباعية (وطنية – دولية – مجتمعية – فنية).
إذا ما الحل الاستراتيجي الواقعي في حال رفض المكونات الانخراط في مصالحة فعلية؟
بما أن المؤتمر الوطني للمصالحة اليمنية يعبر عن إرادة شعبية وخصوصا الأغلبية الصامتة أو المقهورة التي تتعرض لضغوط المصالح فإنه من الأهمية بمكان العمل على:
- تفكيك الشرعية الفاسدة وإعادة هيكلتها عبر مؤتمر وطني شامل برعاية دولية.
- إقصاء كل من ثبت تورطه بالفساد أو الفشل الذريع.
- تشكيل مجلس رئاسي تكنوقراط مصغر مستقل عن الأحزاب والمناطقية.
- تعريف المكونات المسلحة دوليا كمليشيا إرهابية مسلحة غير شرعية
- فرض عقوبات فردية على قادتهم.
- فصل المكونات المعرقلة للسلام الوطني وبناء الدولة عن أي مسار سياسي أو مفاوضات حتى ينزع السلاح.
خاتمة :
إن نجاح المصالحة اليمنية مشروط بتحولها من وثائق وتفاهمات شفهية إلى بنية قانونية ملزمة تنطلق من الإعلان الدستوري ودستور جامع ، وما لم تحتضن هذه العملية بمؤسسات وهيئات مستقلة وفاعلة فإن احتمالية الانهيار تبقى قائمة.
إن اليمن اليوم ساحة للمصارعة ولا مكان فيها للدولة؛ فيها خمسة جيوش، وعشرة أمراء وأربعون لواء لا رؤية لهم سوى ممارسة الحرب تحت مفهوم استعادة الدولة لنفوذهم ومصالحهم الخاصة فالحوثي يحكم صنعاء بالقوة، لا بالشرعية، والحكومة الشرعية لا تحكم شيئا وتنتظر المخلص ليعيدها إلى السلطة، والانتقالي الجنوبي يفاوض بلسان الدولة والشرعية التي يستظل بها لا بلغة الإقليم ، والقاعدة وداعش يتنفسون في أطراف الفراغ والقبائل يتحدثون عن جهوياتهم بلغة السيادة، وقوى النفوذ تحرك الجنرالات كما تحرك البيادق، حرب الكل ضد الكل في فوضوية دريد بن الصمة وفي الفلسفة النقدية لهوبز.
ومن يحلم بمصالحة بين هؤلاء لا يعرف شيئا عن السلم و الحرب فالقوة الشعبية لا حسن النية هي تكتب الدستور ولا وجود لمصالحة توقع قبل أن تحدد ضوابطها ومساراتها بلغة الشعب وقيمه ومبادئه والمبادي العدلية والدنية، كما أن الحديث عن حوار وطني دون حراك شعبي يعيد السيطرة على الأرض تحت قيادة موحدة من الشعب تنطلق من معاناته وتتعايش مع طموحاته .
إن الصلح لا يعقد بين أنداد متساوين في الخسارة بل بين طرف يعرف ما يريد وآخر أجبر على الخضوع، وأي حل غير ما يجب العمل عليه ضمن شروط المصالحة سيعيد الحرب ويكررها ومن ثم فإن مؤتمر المصالحة سيحدد آليات العمل الوطني ويميز للشعب بين من يرفضها ومن يؤمن بها سبيلا لتأسيس الدولة العادلة، بين من يقبلها بشروط مسبقة وبين من يقبلها في إطار دولة مدنية عادلة.
لا سيما وأنه ومنذ مقتل الرئيس صالح فقدت اليمن رجلا كان يفهم التوازنات حتى لو كانت طاغية، يعرف كيف يعيد تشكيلها ليس كحل مثالي وإنما لأنه كان من حلول الواقع.
أما اليوم فلا أحد يمسك بالخيوط أو يستطيع احتوائها لأن كل الزعامات مجتزأة و كل الولاءات ممزقة ولا يوجد قائد وطني يفرض المصالحة ويعبر عن أرادة الشعب ولا مشروع وطني عادل يربط القبائل ولا جيش وطني موحد يفرض القانون.
إن المصالحة التي لا تصنع رأسا للدولة هي مجرد هدنة لاستعاد الفوضى والخراب واستمرار الأزمة وتعقيدها، وكل الوساطات إنما تعمل على تأجيل للنكبات وكل مبعوث جاء إلى اليمن إنما عاد بمزيد من الأزمات لأنه أراد أن يساوي بين من يملك المدفع ومن ينتظر المساعدات.
لا سيما وأن تحولات الدول والمجتمع الدولي اليوم لا يبحث عن العدالة بل عن الاستقرار في عالم لا يحترم إلا من يفرض استقراره بنفسه ويراعي مصالح القوى الكبرى.
إن المصالحة الحقيقية تعني سقوط الأوهام الكبرى حيث لا يمكن التسليم بأن يصبح الحوثي حزبا سياسيا وأن الحكومة الشرعية ستعود وتحكم من عدن إلى صعدة ولا أن الجنوب سيبقى موحدا في ظل أجندات الانفصال المتضاربة بين قوى حضرموت والمثلث والمهرة وحتى سقطرة.
كل طرف يراوغ لأنه يعول على إرهاق خصومه لتكون له الساحة وإن امتدت معاناة الشعب، وكل سلم في الحرب يعني مزيد من المعاناة الإنسانية لأن الحلول التي لا يصنعها السلم يصنع بالحرب العادلة لا الحروب الفوضوية الجائرة.
لكن كيف نصنع سلاما لا يستأنف بعده القتال؟
هنا لا بد من مركز قوة ولو بالقوة؛ فالسلاح يجب أن يجمع تحت قيادة موحدة لا أن يوزع بين المكونات، والقيادة لا تنتخب من المنفى، والجنوب والشمال إما أن يصمما نظاما جديدا بشروط واضحة أو يذهب كل إلى طريق.، ولن تكون دولة مستقرة دون رجل قوي ودستور يفرضه لا يفاوض عليه.
إن اليمن لا يحتاج وسطاء بقدر ما يحتاج قادة استراتيجيين لإدارة الأزمات، وأن المصالحة ليست مؤتمرا، بل لحظة قرار حقيقي لأنه بدون ذلك لن تبنى اليمن بالحياد ولا باللجان وإنما ستبنى إذا قرر أحدهم أن ينهي هذه الفوضى لا أن يديرها.