العرقية المقدسة بين إشكالية النص والتاريخ والوهم
د. جمال الهاشمي
النصوص لا تخطئ، لكنها تُؤوَّل، والعدالة لا تغيب، لكنها تُحرف، فهناك من يرفع المصحف بسيفه، ومن يبرر الدم بالمقدس، وهناك من يحول الوحي وقدسيته إلى لافتات عرقية أو جهوية أو قبيلة متقادسة، و هكذا نشأت العرقية المقدسة، الثكنة الكاذبة لمختليقها، والثكلة المؤلمة لمعتقديها.
هي إشكالية العصر والتاريخ، إشكالية تقديس العرق بالنص أو تعليته فوق النص، أو تشاكله به، والتزكية به، كتزكية القراء والأحلاف الأخلاف.
إنها العقدة التاريخية التي تبرر الامتيازات الطبقية – الجيني- وتُسكت السؤال واستعمالات العقل ، وتُلبس رذائلها ثوب الفضيلة وتُلبس (من التلبيس) على أتباعها فضائلها، لكنها في النهاية وهم مستوحى من حب التسلط والهيمنة ، ومحكومة بالسقوط إذا استعاد العقل أنسنته بالحرية والتغيير، وعدالته بالنص والإنصاف، لأن الحقيقة لا تصبر طويلا على التحريف، والوعي لا يختفي كثيرا، فالنص مهما لُوِّي بالتأويل سيظل شاهدا على خيانة التأويل، والجهل المقدس، والدخول إلى الجنة من بوابة الإنسان الملوث بالخطيئة.
عندما استعلى فرعون بقوله: “أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى” لم يكن ادعاء، بل كان فلسفة استمرأ عليه العبيد، وتصورا نفخته فيه بطانته السيئة (الملأ من قومه) جعلته زعيما متعاليا فوق البشرية، ثم نصبت فيه مقولة الحق، ثم ماهت بين سلطته والحقيقة المطلقة، وطورت وسائل استدراجها له ليكون إلها ومصدرا للشرائع والأحكام بالنص والقوة والجهل والتربية والتعليم “ما علمت لكم من إله غيري”.
حق إلهي يُبرر الهيمنة، وصنع الفراعنة سلالتهم المقدسة، كما فعل الأكاسرة والقياصرة، ثم جاءت الكنيسة لتُعلن أن “العناية الإلهية” هي من تمنح العرش لوكيل الله وظله، وجاء الاستعمار ليحمل العالم المتخلف “عبء الرجل الأبيض” واستغلاله للكرامة والبشرية وقيمها الإنسانية، وجاءت الأيديولوجيات الحديثة لتعيد إنتاج العرقية بثوب العلموية الزائفة والتقدم الحضاري المشؤوم. كلهم قالوا: نحن المختارون، نحن الصفوة، نحن الاستثناء في ناموس البشر.
لكن النصوص تنفض هذه الوهم نقضا بواحا، فالإسلام وفي لحظة التأسيس أسقط معيار العرق بقوله: “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”، والمسيحية رفضت الحصرية العرقية حين قال: بولس.. “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلَا يُونَانِيٌّ… لِأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ” (غلاطية 3: 28)، وحتى اليهوديةلم تكن قومية مغلقة بل عهد مشروط، إذ يقول: إرميا. “لا تَتَّكِلُوا عَلَى كَلَامِ ٱلْكَذِبِ قَائِلِينَ: هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ هَيْكَلُ ٱلرَّبِّ هُوَ!” (إرميا 7: 4).
والتاريخ يُعيد نفسه، والوهم أقوى من الحقيقة حين يصبح المصلحة هي الدستور الذي يحكم تصرفات البشر، وضيعهم الذي يسعى للحظوة المقدسة فيبدأ سلوكه مريدا ثم صنما يرد المريدون إليه ، أو يتمناها مع العجز “يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون”، فالنية التي تستوطن القلب هي وحدها من تحدد معادن الناس، والسلوك واللفظ يحدد ذلك.
حين أراد بنو إسرائيل توظيف النبوة للتفوق، جاء الرد الإلهي: “وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ” ، لأن الاصطفاء ليس خلودا، بل تكليف مشروط بالقيم الإلهية وقيم الله في صك مفهوم الإنسانية، ومع ذلك، لم يكن الدين وحده ضحية هذا التحريف، بل ذهب ضحيتها العقل و الفلسفة.
وقد تحدث أفلاطون عن “الكذبة النبيلة” التي تتخذ مبررا للحفاظ على النظام، ثم تطورت تلك الأكاذيب إلى عقيدة، حينها سقطت أثينا تحت وطأة الصراعات الداخلية، هو المقياس التجريبي الذي تواجهه العلمانية الفرنسية، والديمقراطية الأمريكية، والحقوق الغربية.
إن نيتشه الفيلسوف الناقد الذي وصف بالتشاؤم كان أول من هدم الأصنام الفكرية وقد رأى أن التفوق لا يمنح بالوراثة، بل يصنع بالإرادة، ولهذا كانت النازية خيانة لفكره وتحريفا لنقده عندما استخدمت “إرادة القوة” لتبرير نقاء الدم، وليس لحفظ القيم الإنسانية، فالفكرة التي يلوثها التحريف يعطل أدوات وآليات وسبل الوصول إلى الحقيقة تحت مظلة الحزبية المقدسة والطائفة المنصورة، وأصحاب الحق المطلق، ومن هنا نشأ الاختلاف العقدي في منظومة العالم الإسلامي لارتبط العقيدة بعالم الأشخاص، ولتحريفها النص بعالم الأفكار، ومخالفتها الوقائع بعالم الأشياء.
إن الفيلسوف الاجتماعي جاك روسو، عندما تحدث عن العقد الاجتماعي لم يمنح أي سلالة أو طبقة امتيازا، بل جعل الحق مشاعا ولإسقاط صنمية الفكر المقدس ونظرية الاستحقاق الجيني ، تحرك الفكر في دهاليز العقل، واشتعلت مواقد التغيير في الذهن فكانت الثورات تصنع تاريخا فريدا من الثورة الفرنسية إلى الأمريكية، لإعادة ضبط مفاهيم الحكم و السلطة ونفيا لتوكيداتها.
وفي كل مرة يأتي من يعيد صياغة الفكرة بالسيف والفكر والثورة ثم يضع عليها ختم القداسة، فمن المطالبة بالتغيير إلى حفظ الوضع السائد وهكذا تتداول الأحداث بين الناس كلما تقادم العهد عليهم، فمن ذاق مضاضة الاستضعاف يثور بالعدالة ليذق غيره من الكأس الذي تحرر منه، ولا ينشأ التقادس إلا على مساحة الجهل، ولهذا عمد أئمة بعض من السلالة المتقادسة كالسلالة الهاشمية التي تقرأ سورة اقرأ وتنتسب بالعرق الجسدي إلى التنوير المحمدي إلى تأميم الجهل، ومثل ذلك سعى إبراهيم باشا لضمان قيادة الناس وحفظ الوضع السائد بالجهل، ثم تطورت نظريات الجهل المعاصر من خلال أدوات عامة كديمقراطية العوام، أو إعادة الإنتاج باستصدار الشهادات الجامعية والاجازات الفقهية ، الجهل المقنن بظروف العصر ومتطلباته.
ومع اتساع مساحات الجهل نشأت نظريات العرق الإثني تحت مظلة الثيوقراطية التي تعد أحد مداخل التفسير الديني أو الإسلامي للمعتقد أو للثورة أو للحزب أو للجماعة أو للجهة، فاليمن الذي تتجانس فيه مجتمعاته حتى التطابق يعاني من سبعة مراتب طبقية جينية استوفدها من الثقافة الهندوسية واستقر عليها، وفي العراق تعددت مراتب المقدس داخل الحظيرة الواحدة أو المعتقد الواحد، أما العروبة التي كانت قومية ثقافية لغوية، فقد تطورت مع فقه المتغيرات لتعتمد خرافة الجنس المقدس، وتوسعت دائرة الصراع بين القحطانية والعدانية وبدأت خرافة التحور الجيني الذي أعاد تشكيل منهجيته بمداخل نظرية تقوم على استحداث أصل للتحكيم، أو محاولة تجيير العلم لصالح الأصل المضطرب الإسناد والرواية والدراية، ومن ثم بدأت نظريات أخرى مستحدثة تقسم الإنسان بين الأصل والفرع، وبدت فكرة الوهم المقدس أن اليمن أصل الجنس البشري، كأسوأ نظرية عرقية مستحدثة في تاريخنا المعاصر، ولكن العقل النقدي يتسائل الأصالة بالنسب البشري، أما بالمكان، وهل القدسية في الإنسان أم في الأصنام، ومن هنا نشأت فلسفة الجهوية والقبلية وهي فلسفات صنمية تتصارع مع نظرية القيم الكلية، كالخرافة الهاشمية التي تنتسب إلى نسب مقطوع، لأن الأصل في النسب الدعوة بالآباء “ما كان محمد أبا أحد من رجالكم” فلم يكن أبا للحسين والحسن، وقد قطع هذا النسب الجيني عنه صل الله عليه وآله وسلم وبقي النسب القيمي “ولكنه رسول الله وخاتم النبيين” وميزان المحمدي في الإسلام ميزان اهتداء واقتداء واتباع لا ميزان سلالة وعرق ودماء.
ما من أمة ادعت النقاء إلا سقطت بتناقضها الداخلي، فالفراعنة ظنوا أنه يجري في عروقهم دماء الآلهة، فسقطت دولتهم أمام قبائل صحراوية صار أكثر أبناء الفراعنة عبيدا في سوق الرقيق، و الأكاسرة ظنوا أن خلود عروشهم المقدسة، فمزقه العرب الذين خرجوا بعقولهم الصحرواية المتسعة كاتساعها ليقولوا نحن خرجنا لنصحح مصار القداسة المختلة ، ونغير النفوس ولا نغير عليها، ونخرج العباد من عبودية العباد إلى حرية العقل وعبادة رب العباد، وليس التاريخ ببعيد هذه النخبة النازية اعتقدوا بالتفوق الجرماني العرقي ونافسهم موسوليني في إيطاليا واتحدوا بالوهم فسقطوا تحت أحذية من اعتبروهم أعراقا دنيئة”.
“قالوا أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون“.
حتى في السياق الإسلامي، حين بدأت الأموية تحول العروبة إلى قداسة سياسية جاء السقوط بعد محاولة التصحيح عمر بن عبد العزيز، ولم يكن تصحيحه إلا حلقة من حلقات التغيير وتنمية الوعي فاسقط خرافة الاستحقاق، وعندما سقطت نشأت للدفاع عنها نظرية الاستبداد، والاستبداد لا يسقط بالعدل وإنما بمثله أو بالفوضوية التحررية، وقد قال: ابن تيمية. “من تحريف الدين أن يُنسب إليه ما يناقض أصوله”، وحينما تُصبح العرقية عقيدة تسقط أمام فتوة الوعي والحق و العدل.
فليس التساؤل عن متى تسقط العرقية المقدسة، بل كيف تتهاوى دون وعي المتقادس بها؟ وتظل سيناريوهات تآكلها أو تشظيها متعين بصدامات خارجية، أو صراعات داخلية، فهل تحتاج إلى ثورة أم يكفي أن تكشف عن نفسها وتنفتح على أبواب البراءة والتوبة؟
والتاريخ يحدثنا عن سقوط المقدس كما تحدثنا النصوص المقدسة، ففرعون لم يسقط بعصا موسى بل سقط باستخفاف قومه وقبولهم الاستخفاف حتى قتل مصلحيها وتميز المصلحون عن المبطلون فكانت النهاية قد استكملت حلقاتها القاضية “لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم”، كما أن قريش الذي حاربت عدالة التغيير لم تتهاوى في بدر بل سقط كبرياؤها وجحدوها وفقدت مكانتها بين العرب لتجردها عن أخلاقها وعن حلف الفضول الذي حفظت به الفضائل، وحينما ارتفع جسد النبوة المحمدي ظلت قيمه الخالدة وفكره المنير منفصلا عن الجسد وأن محمدا فكر ونورا وطريقا فكان أفقه الناس بالوعي حينها أبو بكر حينما تعلق البعض بالجسد والرجعة فقال: “من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات”، ثم تلا الدليل “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل” ليسجد أهمية القيم في ميزان التفاضل .
وروما لم تسقط بيد البرابرة بل حينما أصبح النبلاء ثقلا وعبئا على المجتمع الذي تمن عليه بحمايته، وتزعم أنه بها يقام يكون المجتمع وبدونها لا يكون.
وهكذا تجذرت العرقية وبالطريقة نفسها سقطت، وأن سقوطها عندما تصل إلى مقبرة الغرور والأناذية الطاغية، لأن العدالة ليست صراع بين القوى، بل هي توازن وجودي بأدوات المدافعة والمناصحة والمكاشفة. وقد قال: الشافعي. “ليس الفضل بالآباء، وإنما بالطاعة”، وذكر ابن القيم: ” أن الأنساب لا تغني عن أصحابها إذا خلت من الحق”.
ويؤكد لنا التاريخ أن العرقية المقدسة لا تموت فجأة، وبصعقة واحدة، بل تبدأ بتآكل شرعيتها من الداخل، إنها تموت بالتنوير وصحوة العقل والفطرة والقيم الإنسانية، فالنصوص تقاوم، ثم يأتي من يحول سادات المقدس إلى عبيد عندما تغيب العدالة وإلى مواطنين حينما يكون خصومها نبلاء من انصار العدالة.
لأن الله لم يجعل كلماته ونصوصه أداة بيد الحاكم والفقيه المستبد، فالوهم لا يؤسس لدولة وعدالة وحضارة ومجتمع، وقد شهدنا تهاوي أنظمة المقدسات العرقية في الشرق والغرب والتاريخ تجربة للوعي لا لتسكينه.
والقاعدة النبوية التي تؤصل للمقدس هو قدسية الأناسي “كلكم لآدم وآدم من تراب” نرتقي بآدم حينما تشكل وارتقى بصنعة الله وهذه قدسية القيم، بينما ندوس على أصلنا الثاني بأقدامنا ذلك التراب الذي خلقنا منه، وعندنا نعود إليه نظل تحت، فما كان مداسا بأقدامنا سيسحقنا في باطنه، ونموت حينها ويبقى الأثر.
لكن التساؤل الإشكالي يقودنا إلى الحديث عن كيفية صناعة التلبس العرقي المقدس كأحد مداخل العي المناهض للوعي؟
لا يخلو أي عصر مع تباين واختلاف الجغرافيا من المقارنة الأفقية، أو المشاهدة لتنمية الوعي بالمتنافضات، ويعيش عالمنا الإسلامي في الجانب السلبي من المقارنة، حيث تتخذ العرقية المقدسة أشكالا مختلفة؛ فتلبس رداء الدين تارة، والفلسفة تارة، ورداء التاريخ تارة أخرى، وجوهرها واحدة وإن تعددت قوالبها، وجميعها تسعى لإكساب الجماعة البشرية قداسة زائفة، تُبرر بها الامتيازات، وتُحَرَّف من أجلها النصوص والدراسات، وتعيد كتابة التاريخ لأجلها، حتى ذلك الأكاديمي الزائف الذي افنى حياته بحثا عن المعرفة يزعم أنه وحي لها، وفي النهاية يسقطون أمام الحقيقة لأن النص لا ينحني للأهواء ولا يتأول بالأدواء، والتاريخ لا يرحم الوهم، والقيم الإنسانية لا تبنى بالأساطير. ونختزل صور العرقيات في ساحات الجهل والوهم بـ:
– الميثولوجية السياسية: وهي مزيج من الميثولوجيا السياسية والأخلاق النفعية، حيث تُصنع أسطورة عرقية أو قومية تُعطى بعدا مقدسا لتبرير الهيمنة، ومن أمثلتها المعاصرة النموذج الأمريكي الذي وظف الحقيقة والقيم الإنسانية وقيم النبالة ووصل إلى مرحلة التشبع النفعي، فأعاد تغيير مفهوم العدالة والإله في الدين والقيم والحرية والمجتمع.
– الميثولوجية الدينية: وهي النظرية التي تتمحور عليها فكرة الشعب المختار وصورها متعددة من أمريكا إلى القومية اليهودية والهند وايران واليمن مع أن العهد الجديد ألغى الحدود العرقية وأعاد تشكيلها التوظيف السياسي للديانة فأوجد فيها قوميات مقدسة، مثل الفكرة القومية في أوروبا القرون الوسطى، والتي بلغت ذروتها في الحروب الصليبية، حيث تحول “شعب الله” إلى مفهوم سياسي لا روحي،
وحينما تحولت الكنيسة إلى سلطة سياسية وظفت فكرة “الأمة المسيحية” لإقصاء الآخر مخالفة تعاليم المسيح نفسه “لي خراف أُخَر ليست من هذه الحظيرة” (يوحنا 10:16)، إشارة واضحة إلى عالمية الدعوة وانسانيتها، بينما يختزل الصعود المسيحي المتطرف العالمية بالقومية كمدخل جديد من مداخل استبداد المجتمعات بالعرقية، وهي الطريقة التي تطورت فيها النظرية القومية العربية التي تحولت الآن إلى نظريات إثنية وعرقية، وغدا سيستبد المجتمع المدافع عن إثنيته وعرقيته باستبداد من جنسه، لأن قيم التحرر ومبادئه تحدد الخواتم بالبدايات.
وفي نص لبولس يقول: “لَيْسَ ٱلَّذِي يُظْهِرُ فِي ٱلْجَسَدِ هُوَ يَهُودِيٌّ، بَلِ ٱلَّذِي فِي ٱلْقَلْبِ” (رومية 2: 28-29)، وهو إنكار صريح لأي تفوق قائم على العرق أو الدم، وقد تحولت أمريكا مع ترامب من القومية التاريخية والجهوية إلى العرقية المقدسة أو في طريقها الى التقادس العرقي بقوة الشعب الذي سيتحول الى معارض لها، لأن الشعارات هي القيود التي تكبل العقل.
ومثلها في منظومة الإسلام التي تحولت باسم الجهاد إلى حركة عسكرية سياسية مجردة عن قيم الرحمة والقيم الإنسانية، وأخرجته عن العالمية وقيم الرحمة الإنسانية “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”
وفي الفكر اليهودي، كان مفهوم “شعب الله المختار” معبرا عن التكليف لا العنصرية العرقية، و مع الزمن أول في اتجاهات قومية، مخالفة بذلك فلسفة موسى بن ميمون الذي انكر فكرة التفوق العرقي، معتقدا أن جوهر الإيمان يكمن في العقل والعمل، وليس في العرق.
والنتيجة الحتمية لكل عرقية تدنس المقدس النهاية المؤلمة “”وإذ تأذَّنَ ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب”، وهو دليل على أن أي أمة تفقد القيم الأخلاقية تفقد مشروعيتها أمام الله، وتفقد منزلتها في سلم القيم الإنسانية.
فالعرقية المقدسة لا تنشأ من النصوص، بل من تحريفها، وهنا يظهر الفرق بين الدين الأصل وبين معتقدات الفصل، حيث يصبح النص أداة لخدمة الأقوى، بدلًا من أن يكون ضابطا لحكمه.
فإن كانت العدالة تحدد بالعرق، فما مصير القيم الإنسانية؟
وفي الختام:
إن وهم العرقية المقدسة إشكالية عقدية أو فكرية نفسية تحولت من صفة يمكن معالجتها بالوعي إلى سمة لا يفيدها العلاج بالوعي، فيا أيها العربي والهاشمي والقرشي إن الإسلام انتشر بقيم النبوة الإنسانية، القيمة التي خلفها الجسد بعد الرحيل، فلا يدخل الناس بقيم النبوة وتخرجونهم بقداستكم المتوهمة، قداسة الاستغلال المقيت، فمحمد صل الله عليه وسلم هو صورة الإنسان التي تتجسد فيه الإنسانية النقية وهو المطلق في دعوته النبوية والرسالة العالمية.