الدول الأوروبية بين تطرف العلمانية وصعود اليمين المتطرف

0 2

الدول الأوروبية بين تطرف العلمانية وصعود اليمين المتطرف
د. جمال الهاشمي
حين نمعن النظر في واقع أوروبا المعاصر لا نجد مشهدا سياسيا عابرا، بل نرى أزمة تضرب في عمق الفكرة الحضارية التي بنت عليها أوروبا مشروعها الحديث..أزمة تكشف هشاشة الدعوة إلى الحرية والمساواة بعد أن اصبحت هذه المفاهيم أداة للفرز والاستبعاد والتوظيف السياسي التي تتمحور حول مفهوم المركز لا على أساسا العدل والكرامة.
العلمانية في هذا السياق الأوروبي بدأت كحل لصراع بين الكنيسة والدولةو لكنها مع مرور الزمن تحولت إلى سلطة فوقية تحاول إقصاء الدين لا فقط عن الدولة و المجال العام بل سعت لفصله عن الثقافة وعن الضمير وعن الإنسان ذاته.
لم تعد العلمانية إطارا للتعايش بل صارت مشروعا للهيمنة.
ومن داخل هذا الفراغ القيمي برز اليمين المتطرف لا كرد فعل يعيد من خلاله ابتعاث القيم الدينية الإنسانية بل تطرف ديني يحارب الإنسانية ويوظف الدين والدين تحت مظلة القيم القطرية او بالمعنى الحديث مفهوم الدولة القطرية وهذه المؤشرات الصراعية تعكس عمق الأزمة والتي افقدت اوروبا بوصلتها الأخلاقية وفتحت أبوابها لخوف جماعي من الآخر.

ولا نبرؤ المسلم المهاجر فقد ساهم هذا المسلم في تطرف القيمتين، حيث عمل خلال تاريخه في الهجرة على استغلال العلمانية الإنسانية، مستغلا قيمها لمآربه الشخصية، حتى غدت المحاكم العنصرية بيت المسلم وسلاحه ووسيلته في استغلال العلاقات الحكومية لصالحه في مواجهة المجتمع لا سيما وأن سلوك المسلم المهاجر ضر في اندماجه في المجتمع وأكثر ضررا في انعزاله عن المجتمع .
وقد ساهمت المساجد من توسيع الفجوة وإثارة الخوف لدى المصليين من الكراهية المجتمعية للإسلام وبدلا من التوظيف السياسي للدين أصبح التوظيف الثقافي والمجتمعي والفردي من الظواهر المعاصرة التي أضرت الإسلام وضربته في عمقه الاجتماعي والسلوكي وهذه الأزمة نشأت في المراكز الثقافية الإسلامية ومن داخل المساجد وأئمتهم الذين تحولوا من أداة لتغيير مجتمعاتهم المسلمة بما يتناسب مع قيم الإسلام إلانسانية إلى أن أصبحوا أداة السلطة في مواجهة خصوهم من أبناء جلدتهم أو مواجهة المصلين الذين يعارضونهم مجددين بذلك محاكم التفتيش بطريقة أخرى لضرب خصومهم والتضحية بمجتمعاتهم تحت مظلة الدين في استغلال الدين واستغلال السلطة .
فهم يرون أن السلطة العلمانية تحاربهم وفي المقابل يدافعون عنها خوفا من اليمين المتطرف وفي الوقت ذاته يحاربون التطور الديني بل ويتحارب الأئمة مع بعضهم على الزعامة الدينية والهيمنة ليس على أساس الكفاءة بل على معايير ذاتية .

وحتى لا نغوص في قراءة أزمة التدين الاسلامي لدى اقليات وأىمة اوروبا سنركز على صعود اليمين كانعكاس لظاهرة الاسلمة السيلسية في الشرق الأوسط والذي جاء عبر أدوات ديمقراطية بنفس الطريقة والآلية في توظيف الدين ، وبنفس السمات التي تحمل في جوهرها نزعة إلاقصاء والاستبعاد.
خطاب يرفع شعار السيادة لكنه يخاف من التنوع ويدعي الدفاع عن الهوية لكنه ينسف أساس العدل. ويبرز كولة تحمي حدودها لكنها تفقد روحها وقيمها ووجودها.

هنا تقف أوروبا أمام مفترق حاسم تتداخل فيه المسارات وتتعدد فيه الاحتمالات وفي ضوء هذا الواقع يمكن رسم أربع سيناريوهات رئيسة:

السيناريو الأول: ترسخ الشمولية المقننة حيث تواصل الأحزاب اليمينية تعزيز مواقعها وتسن قوانين تقيد الحريات خاصة تلك المرتبطة بالهوية الإسلامية ومن ثم تتوسع سياسات المراقبة ويزداد الضغط على الجمعيات والمراكز الدينية ومن ثم تتحول العلمانية الى مشروع إقصائي معلن والديمقراطية تفقد قيمتها الأخلاقية وهذا طبيعي لأنها تعرضت للاستغلال من تيار الاقليات والتيارات اليمنية كاستغلال الدين أو الأديان بما فيه الدين الإسلامي وهذا الاستغلال لن يجف حتى يتحول إلى تطرف دموي.

السيناريو الثاني: مقاومة داخلية من قوى مجتمعية وهنا تنهض أصوات من داخل المجتمعات الأوروبية و ترفض هذا الانحراف وتدافع عن القيم الأصلية للتعدد والكرامة. وتبرز حركات مدنية و تحالفات حقوقية و مبادرات شبابية وتفتح هذه المقاومة بابا لمواجهة سلمية لكنها تبقى محدودة أمام تغول الخطاب الرسمي.

السيناريو الثالث: صراع مفتوح مع المهاجرين والمسلمين
و تصبح العلاقة بين الدولة والمجتمعات المسلمة مشحونة بالكامل حيث تتوسع حملات التفتيش وتُغلق المساجد وتُقيد الرموز الدينية و يتحول الحضور الإسلامي إلى ملف أمني لا إلى مكون اجتماعي وهذا السيناريو يهدد التماسك الداخلي ويدفع نحو عزلة متبادلة.

السيناريو الرابع: مراجعة فلسفية داخل النخبة الأوروبية
و هتا قد ينهض تيار فكري يعيد النظر في المشروع الحضاري كله ويتساءل عن غياب البعد الروحي، وعن أزمة المعنى و عن دور الدين في بناء الإنسان و تفتح هذه المراجعة الباب لحوار حضاري صادق، لكنه يواجه صعوبات كبيرة في مناخ يهيمن عليه الصوت الأحادي.

فهل تختار أوروبا طريق المواجهة أو طريق المصالحة؟ هل تستمر في نفي الآخر أم تراجع نفسها وتستعيد إنسانيتها؟ الإجابة ليست في يد الحكومات فقط بل في ضمير النخب و في وعي المجتمعات وفي قدرة الإنسان على مقاومة النسيان والاستلاب.
وهنا نطرح نفس التساؤلات مع الاقليات المسلمة إضافة إلى تساؤلات أخرى تغوص في مفهوم الدين والتدين وفي سلوك الإنسان المسلم الإنساني المظلة التي استظل بها وحاربها باستغلاله .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.