التحالف العربي الإسلامي – الأوروبي بين الضرورة الاستراتيجية والتحولات الحضارية
لكي ينجح هذا التحالف، لا بد من خارطة طريق لا تبنى على الخطاب العاطفي، بل على أسس منهجية
التحالف العربي الإسلامي – الأوروبي بين الضرورة الاستراتيجية والتحولات الحضارية
L’Alliance arabo-islamo-européenne : entre nécessité stratégique et transformations civilisationnelles
The Arab-Islamic-European Alliance: Between Strategic Necessity and Civilizational Transformations
د. جمال الهاشمي
التاريخ ليس موضعا للذكريات أو التجسيد السلبي، وليس معوقا لمصالح الإنسان ومنبتا للصراعات الدامية والأحقاد المريضة والصراعات العقدية، بل هو معمل من معامل التنمية والتطوير والتقدم ضمن محددات تمنع الانجرار في الانحطاط والانفتاح على الأزمات المعوقة للدولة والمجتمع والتنمية والإنسانية وتستثمر في الإيجابية والتعاطي مع الواقع والقيم الأخلاقية والمدنية والتنموية.
فهو من حيث مضمونه عما ومن حيث تفعيله بصيرة، ومع هذا فهو لا يمضي مودعا من غير رجعة، بل يتكرر بأشكال مختلفة يبدل شخوصه لكنه يحتفظ بالبنية العميقة لوجوده، ومن بين تلك البنى يظل سؤال التحالفات الكبرى مطروحا أمام أمتنا العربية والإسلامية: مع من؟ ولماذا؟ وإلى أين؟ لا سيما في زمن التبدلات وتغير مراكز القوى وبعد مرورها على مساحات واقعية أرهقت الوعي أو زادت في تنميته، من الصراع مع الاستعمار إلى الصراع على القومية ومنها إلى الصراع ضدها ثم الصراعات القطرية المجزئة أو الوريثة للقومية ثم الصراع بالإسلامية ومن ثمة الصراع ضدها وأخيرا صراعا الهويات الدنيا الجهوية والقبلية والأثنية، ورغم هذه التحولات العالمية التي أدخلت العالم في صراع يقود إلى تحديد مصير العالم الجديد ضمن هيمنة أرادة واحدة أو إرادات متعددة، ما يزال العالم الإسلامي يستثمر طاقاته في سلبية اللاوعي التاريخي وسلبية الخوف من الاستعمار والانكفاء على الذات والخوف من الانفتاح، وحق له أن يخشى الانفتاح لأنه أهدر العمق المعرفي والعقلي ولمبدأي لمجتمعاته، وجيش المجتمعات في مصالح ونزاعات فردية لا عقلية، وسلبية الاستثمار في التجييش والتبعية اغلق مدار الحوار والنقد والتطوير، هذه الانغلاق وسع من مساحات التطرف والعنف والإرهاب، وهذه الثمار المستنبطة من واقع المجتمع وإداراته السياسية تتحملها الإدارة السلطوية التي حولت المجتمعات إلى جهويات إقطاعية وأدوات معطلة تفتقر للعقلانية.
اليوم وفي زمن التشظي العالمي، وصعود القومية المغلقة، وانكماش الليبرالية القديمة، تتقدم أوروبا كجار حضاري وتاريخي للعالم العربي الإسلامي، ليس فقط بفعل الجغرافيا بل بدافع الضرورة الاستراتيجية، والعلاقات التاريخية بكل سلبياتها الصليبية والاستعمارية وصراع الفتح والتنوير الأموي الإسلامي ، كل هذه الصراعات التي تحولت إلى لغة اندماجية وتداخل جيني وعرقي جعلنا أكثر اقترابا واقترانا وارتباطا فهل ندرك حجم اللحظة؟ وهل نحسن استثمار الفرصة؟
فمن ذاكرة البحر إلى لغة المصالح يجسد التاريخ رؤيتنا التي يجب أن تتمحور في النظر الى واقعنا والواقع الذي ننشده لمجتمعنا وإنسانيتنا، فمن بين ضفتي المتوسط لا يفصلنا الماء، بل يعمق اتصالنا مع وسائل التقدم الحديثة بل ووسائلنا التقليدية القديمة التي بها عبر المسلمون إلى الأندلس ليؤسسوا عالم التنوير والذي استغرق عقودا من الزمان حتى تستوعب أوروبا تاريخها بعقلانية المفكر والفيلسوف العربي، وحتى تعيد رؤيتها للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان بقيم الإسلام ومبادئه،
هذا التاريخ المشترك من التواصل والصراع؛ من الفتوحات إلى الحروب الصليبية و من الأندلس إلى الاستعمار ومن الهجرات إلى الشراكات الاقتصادية المتقطعة، كل هذه العلاقات أعادت تشكيل العقلين الأوروبي والإسلامي بنظرية المصالح المنسجمة والمبادئ الكلية المشتركة.
ولطالما كانت العلاقة بين العالم العربي وأوروبا حبلى بالتوجس والرهان الذي زرعته الثقافة الأمريكية وفكرها السياسي والعسكري لضمان هيمنتها على منطقتي الارتطام في العالم، جغرافية المركز والتحولات وصناعة التاريخ بقواعده الصراعية المهذبة، أو بمصالحه العقلانية المشتركة.
ويعد تراجع الهيمنة الأمريكية وصعود الصين كمارد اقتصادي وروسيا كقوة فرصة تاريخية لكلتا الجغرافيتين ؛ الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط لإعادة رسم خرائط النفوذ.
اليوم أوروبا اكتشفت أن عمقها الجنوبي ليس فقط بوصفه سوقا أو مصدرا للثروات، بل بوصفه جدارا حضاريا وأمنيا في وجه العواصف القادمة وتحديات الدول دول الأطراف في هذا العالم دول الهامش الذي صنعت فيه حضارات لن تكون قوية إلا بامتصاص مقومات منطقة القلب الحضاري التاريخي الإنساني لأوروبا والمتوسط، وتحويله من مركز وقلب يعيد التوازن بين الأطراف إلى منطقة ارتطام تتجاذبها الأطراف.
فهل مأزق أوروبا المعاصر وفك الارتباط مع أوروبا سيقوي فرصنا ويعيد تفكيرنا من ذاتينا ومرآتنا الداخلية لإعادة وضع القواعد التقدمية ؟
أوروبا التي كانت في طليعة الحداثة تعاني اليوم من شروخ داخلية عميقة؛ منها تراجع الثقة بالاتحاد الأوروبي و تصاعد النزعات اليمينية المتطرفة التي تعيد بفكرها القومي فلسفة الحروب الصليبية على المسلمين واليهود معا، وإن بدأ التحالف بين اليمين وإسرائيل متناميا إلا أنه تحالف تكتيكي سيدفع باليهود في المستقبل للاحتماء بالإسلام والاستقواء به ضد تحديات اليمين المتطرف مستقبلا.
كما أن تهديدات الطاقة وخروج أوروبا وخصوصا فرنسا من أفريقيا جعلها تتجه نحو عمقها ومركز الطاقة والثروة في العالم، واليوم أزمات اللاجئين تتجه نحو مسارات مختلفة، بعضها باتجاه تجزئة أوروبا بتوظيف اليمين لقضية الهجرة توظيفا قوميا هوياتيا، والآخر يفرضه الواقع الاقتصادي وحاجة أوروبا للعمالة العربية الأوسطية، ثم تحدي الانكشاف الاستراتيجي بعد الحرب في أوكرانيا الذي سيقود أوروبا نحو نزعات قومية مستقلة متطرفة يجعلها منها شرق أوسط أوروبي جديد أكثر دموية وهو ما سيجعل من منطقة الشرق الأوسط عرضة للهجرات العكسية والتحديات الأمنية “وتلك الأيام نداولها بين الناس”
في المقابل، يمتلك العالم العربي والإسلامي أوراقا كثيرة لم تستخدم استخداما تنمويا وسياسيا وأمنيا كالقوة الجغرافية والثقل الديموغرافي و التحكم في مفاصل الطاقة و السيطرة على ممراته الاستراتيجية والحضور الرمزي بوصفه مركزا روحيا لأكثر من مليار ونصف مسلم.
ومع ذلك فإن كل هذه الأوراق لا تجدي نفعا إن لم تترجم إلى استراتيجية متكاملة لا تقوم على التبعية بل على التوازن، وهنا، تبرز الحاجة إلى تحالف عربي-إسلامي-أوروبي يقوم على الإدراك المشترك من خلال مؤسسة عميقة للتنسيق يكون مقرها وقيادتها كل عامين بدولة من دول التحالف ضمن خطوط عريض ومحددات كلية ثابتة تمنح الدولة في اطار التدويل الاجتهاد المطلق في الوسائل المؤدية لتحقيق الأهداف الكلية.
ويتبادر إلى ذهني تساؤلات أخرى منها؛ هل هذا التحالف ضرورة لتجاوز الأزمة فيبني على الاستراتيجية، أم هو تحالف وفق مشروع ورؤية استراتيجية؟ وهل المطلوب تحالف أوروبا مع هذه المنطقة من أجل الحصول على الطاقة؟ أم لأننا بحاجة إلى تقنيتها وسوقها ؟ تلك نظرة قاصرة تُعيد إنتاج العلاقات المشروطة التي لا تصمد أمام العواصف والتحديات المستقبلية لدول الارتطام؛ فالتحالف الحقيقي هو ذاك الذي يُبنى على رؤية حضارية تشاركية لا سيما وأننا نملك في ثقافتنا الإسلامية والعربية قبل اسلامها موروثا غنيا في الإدارة والعدل والتكافل، والفلسفة والحضارة، وإذا تعمقنا في المراكز الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا سنجد فيها مراكز استراتيجية وهو ما يدفعنا إلى العمل على إعادة تفعيل نظريتنا الاستراتيجية ليس على الطريقة التي جاء بها علماء الاستراتيجية الغربية والأمريكية بل على طريقتنا المنهجية في فهم القواعد الجغرافية والتاريخية والمجتمعية.
ومن جهة أخرى تملك أوروبا تراثا سياسيا عريقا في بناء المؤسسات وضبط السلطة. فلماذا لا يعاد تشكيل خطاب مشترك يعيد للسياسة قيمها وللاقتصاد أخلاقه وللإنسان مركزية وجوده؟
ولكي ينجح هذا التحالف، لا بد من خارطة طريق لا تبنى على الخطاب العاطفي، بل على أسس منهجية أربعة:
– البعد الأمني المشترك من الساحل الإفريقي إلى المتوسط ومن منابع الهجرة إلى منابع التطرف حيث أن ثمة تهديدات تتجاوز الحدود، والتعاون الأمني يجب أن يكون متكافئا يحترم السيادة ويستهدف الجذور الملتهبة لا فقط الظواهر الماثلة التي تقود إلى تفسيرات سياسية وظيفية تتجاوز حقيقة المصالح المشتركة.
وهذا ما يفرضه سياق الصراعات العابرة للقارات التي تحولت معه ملفات الأمن من ملف سيادي إلى مسألة كونية، لم تعد الجيوش وحدها قادرة على ضبط الأمن بل أصبح العقل والهوية والاقتصاد والقيم الدينية والإنسانية أدوات رئيسية في تفكيك الأزمات أو تأجيجها.
وبذلك تتعمق الرؤية المشتركة ف أوروبا التي تواجه خطر التنظيمات المتطرفة القادمة من مناطق الهشاشة الأمنية في الساحل الإفريقي أو من بؤر النزاع في سوريا والعراق، مع الدول العربية التي تعاني من تغلغل شبكات الجريمة العابرة للحدود وتسلل الفكر المتطرف من منصات غربية، وهذه المشترك الأمني من أهم مقومات التحالف الأمني المشترك.
ولتحقيق ذلك فإننا ندعو إلى :
- إنشاء مجلس أمني استراتيجي مشترك يعمل على تبادل المعلومات، لاستخبارات استباقية لا يوظف توظيفا سلبية كتوظيف الإرهاب الذي كان توظيفه وسيلة من وسائل تنمية وتوسيع نطاقه.
- دعم مشروعات التنمية في مناطق التوتر؛ مثل الساحل والصحراء واليمن وسوريا وفلسطين بدل من الاكتفاء بالحل العسكري والمعونات الإنسانية.
- تطوير نموذج لـ”أمن الوعي” عبر الإعلام والتعليم بحيث يعالج الفكر قبل أن يتحول إلى سلوك عنيف، وهنا يستدعي منا إعادة قراءة التاريخ وكتابته، وإعادة النظر في المناهج الدراسية ومحاضن التربية والتكوين.
– الاقتصاد والتكنولوجيا المتوازن بين دولنا التي تمتلك الثروات، وتملك أوروبا التكنولوجيا، وهنا يجب أن تبنى شراكات إنتاجية، لا فقط تجارية، مصانع مشتركة مراكز بحث علمي مشترك و استثمارات عابرة للحدود.
فالعالم العربي لا يعاني من قلة الموارد بل من سوء إدارتها وتوجيهها نحو الداخل و أوروبا في المقابل تعاني من أزمة طاقة وشيخوخة صناعية، هذه العلاقة غير المتكافئة قد تتحول إلى علاقة تبادلية ذكية إذا أُعيدت هندسة النموذج.
فألمانيا اليوم تبحث عن بدائل للغاز الروسي، وشمال إفريقيا مرشحة لأن تكون مصدرا أساسيا للغاز والهيدروجين الأخضر، ودول الخليج تمتلك صناديق استثمارية ضخمة يمكن أن توجه إلى البنى التحتية الأوروبية خاصة في مجالات الرقمنة والطاقة المتجددة.
وهذا يتطلب منا:
- بناء مناطق صناعية مشتركة في المدن الساحلية المتوسطية وكذلك على المحيط الهندي والبحر الأحمر
- نقل التكنولوجيا الأوروبية مقابل تسهيلات استثمارية وطاقية عربية.
- تمويل مشترك لصناديق دعم الابتكار وريادة الأعمال في الجامعات العربية.
– التعليم والمعرفة، إذا لا نكتفي فقط بإرسال طلابنا إلى الجامعات الأوروبية بل يجب بناء مناهج مشتركة تعيد صياغة العقل العربي وتنتج جيلا قادرا على التفكير النقدي والمشاركة الحضاري،. والتحول المنهجي من معضلة التلقين إلى التفاعل الحضاري، فالمعركة الحقيقية في العالم ليست على الموارد فقط، بل على العقول، أوروبا تخوض معركة الحفاظ على هويتها، والعالم العربي يخوض معركة استعادة إنسانيته عبر المعرفة الإنسانية والحضارية.
وهنا يتطلب منها تحقيق التوازن المنهجي بين منهجية أوروبا العقلانية التي تعاني من غياب البعد الروحي والتعليم العربي الذي يحمل بعدا قيميا ولكنه يعاني من الجمود والنقل دون نقد.
وهذا يتطلب منها:
- تأسيس جامعات مشتركة عربية-أوروبية تدرس بلغتين، وتمنح شهادات مزدوجة، وتدار بعقول متعددة المرجعيات.
- دعم برامج التبادل الطلابي التي تخرج الطالب من قوقعته الثقافية وتعيد تشكيله ككائن عالمي.
- إدخال دراسات مقارنة في المناهج: الدين، القانون، الفلسفة بما يزرع الاحترام لا التصادم.
– الحوار الثقافي والديني؛ فالإسلام لا يجب أن يقدم في أوروبا كتحد أمني بل كرافد إنساني، ومن متطلبات التحالف رفض خطاب الكراهية باعتبارها بؤرة الإرهاب الأول ورافدا من روافده المغذية للتطرف والصراع، وهنا يجب علينا أن نعيد الاعتبار للإنسان كجسر يعيد تنمية المنظومة الإنسانية في عقولنا لا كخطر يهدد وجودنا الإنساني.
وبذلك نحول الهويات من أزماتها العاطفية وتصادمها عبر قنوات الحوار إلى تفاعلها في تطوير ملكات النقد والمنهج والعقلانية والتنمية، إذ أن ما فرضه الفكر الأمريكي في فلسفة صراع الحضارات وصدامها كقدر محتوم قد ساهم من خلق فوضوية سياسية أسهمت في خلق الفوضويات المجتمعية والصراعية، وهنا يجب علينا التوازن في أطاريحنا فنحن لا نعمل على إلغاء الهويات أو إجبارها لأن قيمنا الخالدة تقودنا إلى التمايز التكاملي “اعملوا على مكانتكم إنا عاملون” ومن ثم فإننا ندعو إلى صياغة نموذج يحول التنوع والاختلاف إلى التكامل والائتلاف.
وفي هذا الصدد فإن مأزق الإسلام في أوروبا يجب تحويله مساره من موضوع أمني على موضوعات فكرية، وإخراج المسلم في أوروبا من الانعزال في مقابل رفض الخطابات الانعزالية من الآخر ، وهنا يأتي دور العالم العربي الإسلامي في إعادة تدوير الفكر الإسلامي يقيمه الخالدة من خلال:
- إرسال أئمة ومفكرين يتقنون لغة العصر، ويفهمون الواقع الأوروبي.
- دعم مراكز دراسات تقدم الإسلام كرافد حضاري لا كخطر أمني.
وهذا يتطلب منا العمل على :
- تأسيس منتدى حضاري دائم يجمع مفكرين عرب ومسلمين وأوروبيين لصياغة خطاب حضاري مشترك.
- إطلاق مبادرة إعلامية مضادة للخطابات الشعبوية تخاطب الضمير الإنساني الأوروبي لا فقط من خلال عقل السياسيين.
- مواجهة خطر أنصاف الخطباء في مساجد أوروبا والذين يخلقون في المتلقي وعي ناقص وعنف كامن يدعم التطرف والإرهاب ويحول المساجد من منارات الوعي إلى منارات الصراع بينها وبعضها وبينها وبين المتجمع
وقد يسأل البعض تساؤلات منطقية، ألسنا في تحالفات قائمة مع قوى عظمى؟ فلماذا نلتفت إلى أوروبا؟
وهنا أقول أننا لا ننفي التحالفات بل نعيد ترتيبها من خلال قراءتنا لموازين القوى؛ فالصين قوة اقتصادية باردة، وأمريكا شريك يمتص قدراتنا وإمكانياتنا ويساهم في تدميرنا وتفكيكنا، وتتقلب بين توظيفنا واستغلالنا أو حربنا وتعطيلنا. أما أوروبا، فرغم تعقيداتها إلا أنها الأقرب حضاريا والأكثر قابلية لصياغة تحالف متكافئ لا مشروط ولا استعلائي وقد تغيرت سياستها بعد رحلة الاستعمار بطرائق منهجية مدنية جعلتها تتخلى عن قوتها العسكرية وفق فلسفة مثالية كونية وأن خطورتها القادمة تكمن في تفككها وعسكرتها بالمعتقدات المتطرفة.
و بين السؤال الحضاري والإجابة السياسية فإننا ندعو إلى تحالف استراتيجي دائم ومشروع حضاري طويل الأمد، و علينا أن نسأل أنفسنا. هل نريد أن نبقى على هامش العالم، نستهلك ما ينتج، ونستورد ما يصنع، ونتهم بما لا نفعله كالإرهاب والعنف والفوضى؟ أم آن الأوان لأن نكون جزءا من صياغة التوازنات وشركاء في إعادة تعريف مفهوم العالم بعقليتنا المستقلة ومن مداخل خصوصيتنا الثقافية والقيمية والدينية ؟
إن التحالف مع أوروبا ليس وصفة سحرية و لكنه لحظة يمكن أن تحدث فرقا، وتغير واقعنا، لحظة تستدعي رجالات دولة لا موظفي مصالح، و تستدعي مفكرين يعيدون صياغة العلاقة بين الشرق والغرب لا فقط خبراء يتفاوضون على أنابيب الغاز، ومحللين سياسيين يصفون الواقع، ومهرجين يصنعون مغامرات عسكرية وفتوات عفا عليها الزمن.
وهنا نستدرك للقارئ وخصوصا القارئ المنغلق في عنفوان فكره وعقديته القارئ الذي ينظر الى الانسانية كشر محض ولا يرى من العالم إلا ظلاما دامسا يقود الى نهاية مشؤومة مخالفا بذلك منهج الاسلام الانساني وعالميته- أن قصدنا في التحالف لا يعني الذوبان في الآخر بل تشكيل منصة للحوار والإنتاج والتكامل تبنى على احترام الخصوصيات لا على محوها، فإذا نجح العرب والمسلمون في تقديم أنفسهم كشركاء لا كضيوف وكمنتجين لا كطالبي حماية فإن أوروبا ستجد نفسها مضطرة لاختبار النموذج الجديد.
لا سيما وأننا في زمن السقوط الأخلاقي للنموذج النيوليبرالي وتآكل القوة الأمريكية فإن الشراكة الحضارية بين العالم العربي الإسلامي وأوروبا قد تكون أحد أهم المسارات لإنقاذ ما تبقى من إنسانية هذا العالم.
…………..
الملخص
يتناول المقال موضوع “التحالف العربي الإسلامي-الأوروبي” بوصفه ضرورة استراتيجية في ظل التحديات العالمية الراهنة والمتسارعة. يجادل الكاتب بأن التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب الدولي، والتطرف، وأزمات المناخ والطاقة، والتغيرات الجيوسياسية، لم تعد تسمح بسياسات انعزالية أو تحالفات تقليدية. في هذا السياق، يظهر التحالف بين الدول العربية والإسلامية من جهة، والدول الأوروبية من جهة أخرى، كخيار استراتيجي وليس مجرد توجه دبلوماسي.
يشير المقال إلى أن هذا التحالف لا يقتصر على الجوانب الأمنية أو العسكرية، بل يتعداها إلى البعد الحضاري والثقافي، حيث يُنظر إليه كجسر للحوار والتفاهم المتبادل بين حضارتين كبيرتين. كما يسلط الضوء على فرص التكامل الاقتصادي والتكنولوجي في ظل تزايد الاعتماد المتبادل بين الجنوب والشمال، بالإضافة إلى حاجة أوروبا إلى شراكات جديدة في ظل الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية (مثل الحرب في أوكرانيا، وصعود اليمين المتطرف.
ويؤكد المقال على أن التحولات الحضارية المعاصرة – مثل صعود الذكاء الاصطناعي، والتحولات الديموغرافية، وتعدد الهويات الثقافية – تفرض إعادة صياغة للعلاقات الدولية، تقوم على الحوار والشراكة وليس الصدام.
summary
The article delves into the concept of an Arab Islamic-European alliance as a strategic imperative in the face of escalating global challenges. It argues that transnational threats—such as international terrorism, climate change, energy crises, and shifting geopolitical landscapes—demand a new framework of cooperation that transcends traditional bilateral relations and outdated Cold War alignments.
According to the author, the proposed alliance should not be confined to security and counterterrorism objectives. Rather, it must encompass broader civilizational, economic, and cultural dimensions. The Arab-Islamic world and Europe, despite historical tensions, share numerous mutual interests and interdependencies, including trade, migration, and environmental sustainability.
The article highlights that Europe’s internal challenges—such as political fragmentation, demographic shifts, and external pressures like the war in Ukraine—have created a fertile ground for reimagining its external partnerships. Simultaneously, many Arab and Islamic nations seek diversification beyond traditional alliances with the West or East.
In addition, the author stresses the need for renewed intercultural dialogue and civilizational synergy to counter populism, Islamophobia, and identity-based conflicts. The alliance, in this vision, becomes not only a political necessity but also a cultural opportunity to foster mutual understanding and peace.
Résumé
L’article explore l’idée d’une alliance arabo-islamique-européenne comme une réponse stratégique face aux défis mondiaux croissants. L’auteur insiste sur le fait que les menaces transnationales — telles que le terrorisme, le changement climatique, les crises énergétiques et les mutations géopolitiques — nécessitent une refonte des logiques de coopération internationale.
Il ne s’agit pas d’un simple rapprochement militaire ou sécuritaire, mais d’une alliance globale intégrant les dimensions économique, culturelle et civilisationnelle. Le monde arabo-islamique et l’Europe, malgré un passé complexe, partagent aujourd’hui des intérêts communs dans des domaines variés tels que le commerce, la sécurité énergétique, les migrations et le développement durable.
Le texte met également en avant la crise d’identité que traverse l’Europe contemporaine, entre montée des populismes, fragmentation politique et perte de repères idéologiques. Ces fragilités rendent l’ouverture à de nouveaux partenariats, notamment avec le Sud global, non seulement utile mais essentielle.
En parallèle, l’article appelle à renforcer le dialogue interculturel, lutter contre les stéréotypes (comme l’islamophobie) et bâtir une plateforme commune où se rencontrent les valeurs de tolérance, de justice et de paix.
Zusammenfassung
Der Artikel analysiert die Notwendigkeit eines arabisch-islamisch-europäischen Bündnisses als strategische Antwort auf die zunehmenden globalen Herausforderungen. In einer Welt, die von grenzüberschreitendem Terrorismus, Klimawandel, Energiekrisen und geopolitischen Spannungen geprägt ist, erscheint ein solches Bündnis nicht nur als wünschenswert, sondern als dringend erforderlich.
Der Autor betont, dass diese Allianz nicht ausschließlich sicherheitspolitisch verstanden werden darf. Vielmehr sollte sie auch kulturelle, wirtschaftliche und zivilisatorische Dimensionen einbeziehen. Die arabisch-islamische Welt und Europa verfügen über viele gemeinsame Interessen und Potenziale, von wirtschaftlicher Zusammenarbeit bis hin zu gemeinsamem Umgang mit Migration und Umweltfragen.
Zudem wird hervorgehoben, dass Europa mit internen Spannungen – wie politischer Fragmentierung, dem Aufstieg populistischer Bewegungen und geopolitischem Druck von außen – konfrontiert ist. Eine Öffnung gegenüber einer Partnerschaft mit der arabisch-islamischen Welt könnte neue Stabilität und Perspektiven bringen.
Der Artikel plädiert für einen neuen zivilisatorischen Dialog, der Vorurteile abbaut, das gegenseitige Verständnis stärkt und kulturelle Gemeinsamkeiten betont. In diesem Sinne wird das Bündnis nicht nur als sicherheitspolitisches Projekt, sondern auch als zukunftsweisende Plattform für Frieden und Verständigung gesehen.