الاوليغاركشية في العالم العربي وتحديات بناء الدولة المدنية العادلة

0 14

 

الاوليغاركشية في العالم العربي وتحديات بناء الدولة المدنية العادلة

د. جمال الهاشمي

يتلب الاقتصاد الريعي والسلطة الأبوية في دول العربي بطابع قبلي أو عسكري أو ديني حيث تتموضع الأوليغارشية كطبقة مهيمنة تعيد إنتاج تخلف الدولة وتعرقل تشكل البنية المدنية الحديثة عبر سيطرتها على وسائل الإنتاج السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

وليست الأوليغارشية في هذا السياق طبقة برجوازية يمكن فرض القوانين عليها أو اخضاعها لمؤسسات الدولة وإنما هي نتاج تحالف مصالح بين نخبة مستفيدة من الريع والسلطة والمقدس  والمجتمع التابع.

وقد نمت معظم الدول العربية الأوليغارشية داخل رحم الدولة الاستبدادية مستفيدة من غياب البنية الصناعية المستقلة واعتماد الاقتصاد على موارد طبيعية قابلة للنهب السياسي كالبترول والغاز والمساعدات الخارجية.

هذا الواقع سمح لها بتجويف الدولة من الداخل وجعل مؤسساتها واجهات شكلية تدار بمنطق الولاء لا الكفاءة بينما يتم تقويض الطبقة الوسطى وتهميش العمال والفلاحين عبر منظومات التعليم الفاشلة والتوزيع غير العادل للثروة.

الأوليغارشية العربية لا تحتاج إلى شرعية ديمقراطية لأنها ترتكز على شبكات الحماية الخارجية (الغرب، النظام المالي الدولي) والتحالفات الداخلية (القبائل، الطوائف، الجيوش) ولهذا تعمل دائما على تفرغ مفاهيم المواطنة من معناها وتعيد إنتاج الدولة الأمنية كآلية لحماية تراكمها المادي والمعنوي فتمنع قيام أي مشروع وطني تحرري أو حداثي.

وفي هذا المناخ تصبح الدولة المدنية الرشيدة تهديدا وجوديا لأنها تعني نهاية احتكار الدولة والثروة والسلاح وتعني قيام سلطة نابعة من الشعب لا من العصبية أو الريع أو الإقطاع السياسي، إنها نقيض الأوليغارشية  فالدولة المدنية لا يمكن أن تولد إلا حين تنفصل الدولة عن الامتلاك الشخصي وتتحول من أداة قمع طبقي إلى فضاء مؤسسي عادل تعاد فيه صياغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفقا لعقد اجتماعي جديد.

إن مشروع الدولة المدنية لا يمنح من الأعلى بل ينتزع بالوعي الشعبي واتحاد الجماهير وقيادة المفكر م؛  أي أن إسقاط الأوليغارشية يتطلب نهوض طبقي شعبي تقوده النخبة والطبقة الوسطى والمقهورون و والفاعلون المدنيون  والمهمشون ضمن استراتيجية تحررية اتحادية شاملة تطيح بالبنية التحتية للاستغلال وتعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية والمساواة والقيم والمبادئ الإسلامية العليا وقيم الإنسانية ومفاهيمها المثلى.

إن مأزق العالم العربي ليس فقط في استبداد الحكام بل في تطابق مصالح السلطة والرأسمال الريعي في تهميش الإنسان العربي وفي اغتيال التاريخ الحي الذي يتضمن إمكانية التحرر؛ فكل دولة عربية لم تفكك تحالف الأوليغارشية ستبقى حبيسة العنف والارتهان الخارجي والتهميش الطبقي.

إن الثورة ليست لحظة مؤقتة يعيد إنتاج الطبقات الأوليغاركية  بل هي مسار دائما فاعلا غير خامد وغير مستلب ضمن قيادة فكرية وقيادات ميدانية تلتزم مسارات الفكر وتوجهاته، وأن مسار بناء الدولة المدنية الرشيدة يبدأ من الاعتراف بأن الديمقراطية ليست ديكورا مؤسسيا بل صراع ضد الطبقات المالكة للثروة والسلطة والسلاح التي تحتكر المستقبل كما احتكرت التاريخ.

إن الدولة الأوليغاركية هي تلك التي تختزل فيها السلطة والثروة والنفوذ بيد قلة ضيقة من النخب المرتبطة بالسلطة سواء عبر القرابة العائلية أو الرأسمال الريعي أو التحالفات القبلية والطائفية.

هذا النموذج من الحكم الذي ساد التاريخ السياسي الإمبراطوري يعيد إنتاج نفسه اليوم في شكل حديث وفي عدد كبير من الدول العربية من خلال تقنيات التسلط المعولم والمؤسسات المغلقة والمجتمعات المقموعة ولا تكمن خطورة الدولة الأوليغاركية في استبدادها السياسي فقط بل في قدرتها على إعادة تشكيل المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وفق مصالحها وتحويل المجال العام إلى حيز ضيق تدار فيه الصراعات على أساس الولاء لا الكفاءة والمحسوبية لا القانون..إنها دولة قائمة على احتكار ثلاثي: احتكار الثروة، واحتكار العنف، واحتكار الحقيقة.

ففي الدول الريعية الغنية تتحول الدولة إلى شركة قابضة تتحكم في توزيع الامتيازات، وفي الدول المفككة مثل اليمن وليبيا تولدت أوليغارشيات محلية مسلحة تنتمي لزعامات قبلية أو دينية أو مناطقية تدير موارد الحرب وتقنن الانقسام باسم الهوية وفي دول “الجمهوريات الوراثية” مثل سوريا ومصر والجزائر، تشكلت أوليغارشية هجينة تمزج بين رأس المال الأمني والبيروقراطية المتكلسة وتعيد إنتاج الحكم عبر التوريث غير الرسمي وتحالف أجهزة الدولة العميقة مع رجال الأعمال.

وما يميز الدولة الأوليغاركية في السياق العربي هو تحول الاقتصاد إلى أداة سياسية حيث توزع فرص الاستثمار والمشاريع الكبرى وحتى الوظائف العليا، بناء على الولاء السياسي ما يجعل من الاقتصاد وسيلة لضبط المجتمع وقهره لا وسيلة لتقدمه.

ويتوازى ذلك مع تدمير ممنهج للمجال العام من خلال تجفيف النقابات وسحق الإعلام الحر و اختراق الأحزاب وقمع الجامعات حتى تتحول الدولة إلى نظام مغلق يراقب المجتمع من الأعلى ويمنع أي إمكانية للصعود من الأسفل.

وفي هذا السياق لا تنتج الأوليغارشية نخبة تحديثية بل طبقة طفيلية تعتمد على الامتيازات أكثر من الإنتاج وعلى التبعية الخارجية أكثر من السيادة الوطنية وعلى التسويات الأمنية أكثر من التوافق السياسي.

إنها طبقة تهيمن على الدولة لا لتبنيها بل لتفكيكها وتحويلها إلى شبكة زبائنية تحمي مصالحها وهكذا يتم القضاء على كل ما يمكن أن يكون نواة لدولة مدنية: القانون، المؤسسات، المساءلة، والتداول.

لكن خطورة هذه البنية لا تقف عند حدود الداخل؛ إذ تفتح المجال لتدخل إقليمي ودولي دائم، حيث تتحول الدولة الأوليغاركية إلى وسيط بين الخارج والمجتمع أو رهينة للتمويل الدولي أو قاعدة للنفوذ الأجنبي ما يضعف الإرادة الوطنية ويجعل القرار السياسي رهينا للضغوط الخارجية.

ومن الأمثلة الأوليغاركية العراق بعد الغزو الأمريكي 2003، حيث انتقلت السلطة من النظام المركزي إلى نظام جديد يعاني من ضعف مؤسسات الدولة وتسلط جماعات أوليغارشية طائفية وقبلية وقد أدى ذلك إلى صراع دموي على النفوذ بين هذه الفصائل مع استغلال التدخلات الإقليمية لتغذية الانقسامات الأمر الذي أضعف قدرة الدولة على إعادة بناء مؤسساتها وأدى إلى تدهور اقتصادي وأمني مستمر.

وفي دول أفريقيا جنوب الصحراء مثل نيجيريا وزيمبابوي، شكلت الأوليغارشية أداة في إضعاف الدولة حيث تركزت الثروة النفطية  في نيجيريا في أيدي طبقة سياسية ونخبة اقتصادية ضيقة مما أدى إلى فساد مستشري وعجزت الدولة عن توفير التنمية والخدمات الأساسية واندلاع حركات احتجاجية وصراعات قبلية.

أما في زيمبابوي، فقد استغل النظام الأوليغاركي بقيادة حزب واحد الموارد والسلطة لتثبيت السيطرة على حساب الشعب مما أدى إلى انهيار اقتصادي وتدهور الخدمات وانقسام مجتمعي حاد.

والأوليغارشية تظهر في سياقات أقل وضوحا لكنها ذات أثر طويل الأمد كما في بعض دول أمريكا اللاتينية حيث تحكم النخبة الاقتصادية والسياسية عبر تحالفات غير شفافة تؤدي إلى تعميق الفقر وعدم المساواة.

وفي كل هذه الحالات يتضح أن الأوليغارشية تعيق بناء دولة ديمقراطية قوية وقادرة على تحقيق العدالة والتنمية وتغذي دوائر العنف والصراع على النفوذ بين فصائل متنافسة وهو ما يجعل أي محاولة للإصلاح أو الاستقرار محفوفة بالصعوبات.

وتعد اليمن واحدة من أكثر الدول التي عانت من تأثيرات النظام الأوليغاركي في شكل الصراعات المحلية على النفوذ وتفكك الدولة وقد كانت اليمن قبل الحرب الحالية تعاني من ضعف مؤسسات الدولة وهشاشة الاقتصاد وانتشار الفساد وهي سمات تتفق مع تأثيرات الأوليغارشية التي تتمثل في احتكار النخبة السياسية والاقتصادية للسلطة والثروة.

وهذه النخبة الأوليغارشية في اليمن لم تكن متجانسة بل انقسمت إلى فصائل وقوى متعددة تتنافس على الموارد والنفوذ من قبائل وأحزاب سياسية ومصالح اقتصادية عائلية بالإضافة إلى نفوذ الجماعات المسلحة، هذا الصراع الداخلي خلق بيئة حاضنة لضعف الدولة، وأدى إلى تحلل مؤسساتها، مما سمح لقوى خارجية – إقليمية ودولية – بالتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر لتعزيز مصالحها.

إن النظام الأوليغاركي في اليمن يستغل الانقسامات العرقية والطائفية والإقليمية لتكريس هيمنته حيث تستخدم النخبة موارد الدولة لمصالحها الخاصة متجاهلة حاجة الشعب للتنمية والاستقرار، وهذا ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وانتشار الفقر وانهيار الخدمات الأساسية مما عمق معاناة المواطنين وجعل إعادة بناء الدولة مهمة شاقة للغاية.

علاوة على ذلك فإن تدخلات القوى الإقليمية التي تدعم فصائل مختلفة من الأوليغارشية اليمنية  زادت من تعقيد الصراع إذ أن هذه الدول تستخدم نفوذها في دعم أوليغارشيات محلية تخدم مصالحها الاستراتيجية مما يحول الأزمة من مجرد نزاع داخلي إلى حرب بالوكالة ويعيق الجهود الدولية للحل السياسي.

وباختصار تعد الأوليغارشية في اليمن من الأسباب الجوهرية لتدمير الدولة من خلال استمرار الصراع على النفوذ بين النخبة المحلية المدعومة إقليميا وهو ما يحول دون تشكيل هوية وطنية جامعة ويعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويجعل اليمن ساحة مستمرة للاضطراب السياسي والعسكري.

وتعد سوريا حالة معقدة من الأزمات التي تفاقمت بفعل وجود نظام أوليغاركي مركزي قوي محمي من قبل عائلة الأسد ونخبة سياسية واقتصادية ضيقة تسيطر على مفاصل الدولة منذ عقود.

هذا النظام الأوليغاركي الذي يعتمد على شبكات ولاءات قبلية وطائفية احتكر السلطة والثروة مما أدى إلى تراكم مظالم واسعة في صفوف الأقليات والعشائر والطبقات الشعبية التي تم تهميشها.

وعندما اندلعت الثورة السورية عام 2011 لم تكن الأزمة مجرد نزاع سياسي بين النظام والمعارضة بل انعكست بوضوح الصراعات الاجتماعية العميقة التي نتجت عن نظام أوليغاركي مركزي يحافظ على مصالحه عبر القمع والاستبداد.

وقد تحولت هذه الصراعات إلى حرب أهلية معقدة بمشاركة عدة فصائل داخلية وخارجية مما زاد من تعقيد الأزمة.

إن النظام الأوليغاركي في سوريا كان يعتمد على ترابط وثيق بين السلطة والاقتصاد حيث تدير نخبة الأسد شركات ومصالح ضخمة وتسيطر على الموارد الحيوية والاقتصاد الريعي مما وفر لها موارد كبيرة لإطالة أمد الصراع.

هذا النظام أعاق تطور مؤسسات دولة مدنية حقيقية وزرع شرخا عميقا في النسيج الاجتماعي مما أدى إلى تآكل الهوية الوطنية الجامعة.

و المعارضة السورية على الجانب الآخر لم تكن بدورها خالية من الأوليغارشية حيث ظهرت قيادات فصائل متعددة تسعى لتثبيت نفوذها وهو ما خلق انقسامات داخلية أضعفت الحركة الوطنية وسهل تدخل قوى إقليمية ودولية كإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة اللواتي دعمن أطرافا مختلفة لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية.

وفي كل من اليمن وليبيا كان تفكك الدولة نتيجة مباشرة لصراعات بين أوليغارشيات متعددة تسعى للسيطرة على الموارد والنفوذ مع تدخلات خارجية تدفع النزاعات نحو التصعيد والتشظي.

أما في سوريا فالنظام الأوليغاركي كان أكثر تركيزا وتمسكا بالسلطة عبر مركزية شديدة واحتكار للثروة والقرار مما جعل النزاع أكثر عنفا وطولا بينما شهدت اليمن وليبيا تفككا إداريا ونزاعات قبلية أو إقليمية، وبقي النظام السوري يحافظ على مركزيته رغم الحروب مستفيدا من تحالفات إقليمية ودولية قوية و هذا يعكس أن الأوليغارشية في سوريا ليست فقط فئة اقتصادية بل نظام حكم شامل يعتمد على الأجهزة الأمنية والعسكرية والقمع السياسي.

وفي جميع الحالات، تكرست الأوليغارشية كمصدر رئيسي للتحديات التي تواجه بناء الدولة الحديثة إذ تركز السلطة والثروة بيد نخبة ضيقة مما يؤدي إلى صراعات مستمرة ويعوق التنمية والاستقرار والحلول تتطلب جهودا ضخمة لإصلاح هياكل السلطة تعزيز الشفافية و تمكين المجتمع المدني وتحقيق المصالحة الوطنية التي تتجاوز الانقسامات الأوليغارشية.

ومن هنا فإن مقاومة الدولة الأوليغاركية لا تتطلب فقط إصلاحات شكلية بل تفكيكا عميقا للبنية الطبقية والسياسية التي تحميها كما يجب تحرير الاقتصاد من الاحتكار وتحرير السياسة من الأجهزة وتحرير المجتمع من الخوف، وهذا لا يكون إلا عبر مشروع تحرري شعبي يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة المساواة والمشاركة لا على قاعدة الامتياز والانصياع.

إن معركة بناء الدولة العربية الحديثة ليست فقط معركة ضد الاستبداد بل هي معركة ضد الأوليغارشية بكل أشكالها: الاقتصادية، العسكرية، الدينية، والرمزية. إنها معركة طويلة، لكنها ضرورية، لأن بدونها لن تقوم نهضة، ولن تستعاد للشعب كرامة.

وهنا يتوجب على النخب والشعب معا العمل على إعادة إنتاج الدولة المدنية بالبرامج العملية من خلال:

– تفكيك البنية الأوليغارشية للدولة باتباع ما يلي:

  • مصادرة الثروات المنهوبة عبر قوانين العدالة الانتقالية وفتح ملفات الفساد البنيوي لا الشخصي فقط.
  • تفكيك التحالفات الريعية التي تربط السلطة بالمال والدين والقبيلة وإنهاء امتيازات الشركات العائلية واحتكارات النخبة.
  • فصل الدولة عن الأجهزة القمعية بتحجيم دور المخابرات والعسكر في السياسة والاقتصاد وتحويلها إلى مؤسسات مهنية خاضعة للرقابة.

– إعادة توزيع الثروة والموارد بالأليات التالية:

  • فرض ضريبة تصاعدية على الثروات الكبرى والأرباح الريعية لإعادة تدويرها في مشاريع تنموية عادلة.
  • تأميم القطاعات الحيوية التي تم خصخصتها لصالح النخبة مثل الطاقة والمياه والبنية التحتية وإدارتها بشفافية شعبية.
  • إصلاح زراعي جذري يعيد الأرض للفلاحين ويكسر احتكار النخب الريفية ويحقق الأمن الغذائي.

– تمكين الطبقات الشعبية والوسطى من خلال:

  • نقابات مستقلة تعبر عن العمال والمعلمين والأطباء والمزارعين لا تدار من الدولة بل تواجهها.
  • تأسيس مجالس محلية منتخبة تتمتع بصلاحيات اقتصادية وإدارية حقيقية تعيد السلطة إلى القاعدة
  • وضع برامج تشغيل قومية تمولها الدولة لإدماج الشباب والعاطلين في الاقتصاد بعيدا عن منطق الربح الخاص.

– تحقيق عدالة تعليمية ومعرفية باتباع:

  • إصلاح جذري لمنظومة التعليم من أجل تحرير العقل من الخضوع والخوف وتدريب الأجيال على الإنتاج النقدي والمعرفة الحرة.
  • تجفيف موارد الخطاب الديني والسياسي المتواطئ مع الأوليغارشية عبر مراجعة الخطاب الإعلامي والتربوي.
  • دعم البحث العلمي الشعبي وربطه بالتنمية لا بالاستعراض الدولي.

–  بناء الدولة المدنية على قاعدة اجتماعية لا نخبوية:

  • صياغة دستور شعبي من خلال جمعية تأسيسية منتخبة يقر بإعادة ترتيب موقع الدين في سلم القيم المجتمعية والسلطة السياسية والقيم الإنسانية والتأكيد على مبدأي المساواة الكاملة والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات تحددها الخصوصيات الحضارية.
  • ضمان الحقوق السياسية للجميع بما في ذلك الأقليات والمهمشين دون وصاية فوقية من الجيش أو الحزب أو الطائفة.
  • إعادة تشكيل مفهوم الأمن كحماية للشعب لا للنظام عبر شرطة مدنية خاضعة للمساءلة الشعبية.

إن هذا البرنامج لا يستهدف إصلاح شكل الدولة بل تغيير مضمونها الطبقي؛ فالدولة المدنية الرشيدة ليست تسوية مع الأوليغارشية بل نقيضها التاريخي وهي أداة لتفكيك التسلط وإعادة بناء المجتمع على قاعدة العدالة والمشاركة.

ويجب أن تنتزع عبر حركة شعبية واعية عابرة للهويات الضيقة ومتصلة بجذور الفقر والتهميش لا بتجميلات النخبة انطلاقا من معاناة الشعوب العربية الممتدة في ظل أنظمة حكم أوليغارشية احتكرت السلطة والثروة، وصادرت الإرادة الشعبية، وقمعت التعدد والحرية على أن تلتزم الحركات الشعبية ضمن استراتيجية المفكر المدني الحضاري بالمبادئ التالية:

  • السيادة للمبادئ القيمية الكلية والشعب لا للقبيلة أو الطائفة أو العائلة أو الحزب أو العسكر.
  • الدولة ملك للمجتمع لا شركة خاصة للأوليغارشية.
  • العدالة الاجتماعية ركيزة أساسية لأي نهضة ولا معنى للحرية بدون خبز ولا للديمقراطية بدون كرامة اقتصادية.
  • الفصل التام بين السلطات والسلاح والثروة.
  • الهوية الجامعة هي المواطنة المتساوية لا الانتماء العرقي أو المذهبي أو المناطقي.
  • رفض التبعية للخارج بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

على أن تكون هذه المبادئ متسقة مع الأهداف الكبرى للدولة المدنية والتي تتحدد بما يلي:

  • إسقاط منظومة الأوليغارشية عبر حراك جماهيري سلمي متصاعد ومنظم.
  • بناء دولة مدنية ديمقراطية تكون فيها المؤسسات منتخبة وشفافة وخاضعة للمساءلة.
  • تأسيس اقتصاد وطني عادل يضمن سيادة الموارد،ويحقق التوزيع المتكافئ للثروة.
  • تحقيق استقلال القضاء والإعلام والتعليم عن الهيمنة السياسية والمعتقدات الطائفية.
  • تمكين الفئات المهمشة (النساء، الشباب، الفقراء، الأقليات) سياسيا واقتصاديا.

ولن يتحقق ذلك إلا من خلال اتباع العمليات التالية:

  • تشكيل جبهة شعبية عريضة تضم نقابات مستقلة وحركات شبابية و جمعيات قاعدية ومثقفين عضويين.
  • إطلاق حملات شعبية توعوية ضد الأوليغارشية وفضح أذرعها الإعلامية والاقتصادية والدينية.
  • تنظيم عصيان مدني سلمي تدريجي لإرباك السلطة واستنزاف أدواتها القمعية.
  • دعم الاقتصاد التضامني المحلي وإنشاء شبكات بديلة للتوزيع والخدمات والمعرفة.
  • الدفاع عن الفضاء العام من العسكرة والخصخصة والرقابة.
  • رفض أي تدخل خارجي سياسيا أو عسكريا تحت أي ذريعة.
  • إعادة التفاوض مع المؤسسات المالية الدولية بما يخدم مصالح الشعوب لا النخب.
  • بناء تحالفات تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الشعبي.
  • مواجهة القوى الاستعمارية وطبقاتها للأوليغارشيات المحلية التي تعمل على قمع الشعوب تعيق تحررها من الداخل عبر أذرعها النافذة.

ولضمان تشكيل هذه البنية المدنية يجب أن تلتزم بعدد من المعايير الأخلاقية من خلال ما يلي:

  • عدم السعي للسلطة كغنيمة بل كأداة تحرر.
  • الشفافية الكاملة في العمل السياسي والتمويل.
  • الدفاع عن حرية التعبير والتنوع الفكري والاجتماعي.
  • احترام نتائج الصناديق ما دامت نزيهة والعمل لإعادة توازن القوى إن اختلت.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.