الادارة التعليمية واشكالية توحيد المناهج
أ.د علي عزالدين الخطيب ـ جامعة واسط
تعد هذه الاشكالية من ابرز واعقد القضايا التي تواجه الادارات المركزية التعليمية الرئيسة في العديد من البلدان وليس في مجتمعنا العربي فحسب وان كان التعقيد يأخذ مديات اوسع في مجتمعنا العربي الاسلامي لكننا سنركز على مجتمعنا العربي كي لا يأخذنا الوقت فمشكلتنا كبيرة جدا
بصراحة تامة جدا ، أجد ان القضية عويصة جدا لان التعليم في امتنا العربية تعليم مؤدلج بشكل عام لا سيما في الموضوعات والمنهجيات الانسانية والتاريخية والدينية تحديدا وتنخفض نسبة تأثير هذه الأدلجة في المنهجيات العلمية الصحيحة، لكنها مع ذلك تبقى تعاني من مشاكل اخرى فنية ادارية تتعلق بالسياسة والدين بشكل او اخر .
ان كتابة المنهج الدراسي سواء في الدراسات الاولية ام في الدراسات العليا وحتى الابتدائية يخضع الى لجان علمية وتربوية ومختصين نفسيين لكتابته واعداده وهذا متعارف عليه في جميع البلدان الا اننا في بلداننا العربية بشكل كبير يخضع الى رقابة الدولة والى المؤسسة الدينية التي تدين بولائها الى الحكومة وهذا امر واقعي في بلداننا .وهذا يعني خضوع تلك المناهج لا الى عوامل علمية بحتة بل الى عوامل ترتبط بالوضع الداخلي للبلد من جهة وبالوضع الخارجي له ايضا و الذي يعني علاقة البلاد بمحيطها الديني والسياسي وهذا مما لاشك فيه ولا جدال وانا اتحدى اي شخص يقول عكس ربما تختلف النسب بين بلد واخر
لو اخذنا العراق كانموذج خاص في وحدته الادارية لكنه عام لطبيعته المتعددة والمتنوعة على مستوى الفكر والعقائد والقوميات والمذاهب فضلا عن طبيعة وضعه السياسي الذي يربطه بجيرانه ومحيطه سنجد بشكل لا يقبل الجدل كيفية خضوع مناهجه الى سلطة السياسة الضاغطة وسلطة الدين التي لا تقل عن السياسة هيمنة وتأثيرا .
سأتلو تجربتي حينما كنت اعمل بمنصب عميد لإحدى المؤسسات التعليمية في العراق التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهي كلية التربية الاساسية التابعة لجامعة واسط وقد كلفت برئاسة لجنة خاصة لتحديث وترشيق المناهج وتوحيدها في هذه الكليات التي يبلغ عددها 13 كلية في عموم العراق موزعة على محافظات سنية وشيعية ومختلطة اما الجامعات الكردية فهي خارج هذه الحسبة وهذه احدى المشاكل التي نجن بصددها لان الاقليم له سياساته التعليمية الخاصة مع ذلك فلا يمكن ان تتجاوز علاقتها بالعراق الام.
لقد قمت بجمع رؤساء الاقسام العلمية في تلك الكليات في مجموعات وطلبت منهم البدء بالعمل فواجهتنا العديد من المشاكل لعل ابرزها :
اولا : غياب التخصصات الدقيقة لرؤساء الاقسام في عديد تلك الكليات من جهة وايضا عدم العمل بالتخصصات الدقيقة للتدريسيين لتدريس المواد من جهة اخرى مما افرز لنا نتائج مشوهة في العديد من المواد الدراسية لعدم المام رؤساء الاقسام بالمنهج الدقيق او التدريسيين المشار اليهم .
ثانيا : وجدنا في العديد من المواد الدراسية انها اصبحت لا تلبي الحاجة لسوق العمل ولا تواكب حركة التطور العلمي فتحتاج اما للتقليل منها او اعادة تحديثها او الغاء بعضها الا ان هذه الاجراءات واجعت رفضا وصدودا من قبل ادارات بعض الكليات والاقسام والسبب ان القسم في حالة اغلاقه او المادة في حالة حذفها او استبدالها سوف يفقد التدريسي حضوره وربما يتعرض لتخفيض اجوره او تحوله الى العمل الاداري مما يدلل هناك خطأ كبير في سياسة التعيينات .
الاشكاليات السياسية والدينية الضاغطة على التعليم .
ان هاتين المشكلتين تبدوان مركزيتين في بلداننا العربية لاسيما في المناهج التاريخية والدينية التي ترتبط بعقيدة الاشخاص والمجتمع والتي تفرز دوما احتقانا سياسيا او طائفيا او مناطقيا .
ان المناهج الدراسية تكتب وفق سياسة الدولة التي تحكم والمذهب المهيمن على البلاد وهذه من الحقائق التي لا يمكن ان تنكر مطلقا .
ففي العراق كانت الحكومة قبل 2003 سنية بامتياز مما خلفت احتقانا داخليا لدى الطرفين الاخرين الشيعي والكردي معا ، فعملت الدولة بسياسة القمع والاسكات كبح جماح اي ردة فعل تجاه هذه الاختلافات فسارت الامور حسب سلطة الدولة .
بعد عام 2003 اختلفت بوصلة الادارة 180 درجة ومع استقلالية الاقليم الكردي ظل الصراع المنهجي شيعيا سنيا وانعكس هذا على مستوى المناسبات الدينية والعطل الرسمية والمادة التعليمية وهي المهمة وانبرت العديد من اللجان المشتركة لتكتب منهجا دراسيا موحدا لكنه لاقى العديد من الانتقادات الشيعية والسنية معا .بل افرزت منهجا مشوها تاريخيا وضعيفا الى درجة لا تحقق القناعة عند ابناء كل مذهب .
فنحن كتدريسيين واجهنا مشاكل في موضوعات تاريخية معينة ترتبط بالأدب الاموي والعباسي وايضا في مادة التاريخ الاسلامي وحتى المعاصر فهناك العديد من يرفض ما تم كتابته عن مرحلة الحكومة السابقة لحزب البعث ويعتبرون الاساءة اليها امرا غير مقبول في حين ان الوضع الجديد ينظر الى الحزب المذكور بانه قمعي واستبدادي وقد ورط العراق بمشاكل لها بداية ولم تكن لها نهاية .
فقلي كيف يمكن كتابة منهج موضوعي موحد عبر هذه الاشكاليات ؟
السياسة الخارجية وعلاقة العراق ببلدان الجوار لها تأثيراتها الكبيرة بما لا يقبل الشك والجدل فهناك الجار الشيعي والجار السني ولهم تدخلاتهم ومصالحهم داخل العراق وهناك ميول لهم من اطراف شعبية وسياسية وهي لها صوت عال جدا في تحريك توجهاتهم مما ادى الى نشوب مشاكل اخرى من نوع اخر فكان لابد ان تدارى تلك التوجهات الخارجية فعلى سبيل المثال هناك من يطلق على خليجنا العربي بالخليج الفارسي ويؤيد تلك التسمية وهناك من يؤيد نسبته العربية الخليجية وهذا على مستوى مادة الجغرافية .
الان الوضع في سوريا الشقيقة اختلف تماما فبعد ان تغير نظام الاسد بسطوته الكبيرة ومجيء ادارة ذات طابع ديني متشدد ورفعت شعارا ان سوريا اموية وهو نسق ظاهر لطبيعة السياسة القادمة كيف سنطالب بتوحيد المناهج لا بين دولنا العربية بل داخل سوريا نفسها وداخل العراق وما شابه تلك التعقيدات .
ان الاشكاليات شديدة التعقيد بين سياسات الادارة التي تقود البلدان من حيث الفكر الاداري الناجح وبين الانتماء السياسية والمذهبية التي تحكمها وكلاهما يقودان او قادا الى فوضى عارمة ربما خفت في السنوات الاخيرة من حيث التأثيرات السياسية والطائفية لكنها ظلت فوضى على مستوى العمل المؤسساتي .
امكانيات الحلول لهذه الازمات التعليمية
اعتقد ان الحلول ترتبط بما هو يدخل في البعد السياسي العام قبل ادارة التعليم لتأثير هذا على ذاك بشكل كبير .واهم تلك الحلول تكمن في (الوعي) اي امتلاك الوعي بأهمية الانصياع لصوت العقل والتفكير بمصلحة الفرد والدفع الى مواكبة التطور في العالم ومحاولة اللحاق بهم بشرط ان يعم هذا الوعي الجميع بدءا من الحكومة ومرورا برجال الدين والاعلام وانتهاء بالشعب ايضا فهم المادة الاهم في هذه السلسلة .
تبني معايير مؤسساتية قادرة على انتشال مؤسساتنا من واقعها وعدم الاكتفاء بتطوير البنى التحتية على اهميتها بل بدعم الابحاث وايلائها اهمية كبرى لاسيما الابحاث المنتجة ودعم الجامعات المنتجة والكليات المنتجة .
القيام بمراجعات مستمرة لتطبيق تلك المعايير على مؤسساتنا لكن بدافع التقويم والتصحيح وليس بدافع المنافسة الوهمية التي قد تخلق نتائج وهمية تنحرف بنا عن جادة الصواب وبالتالي تضيع فرصة التصحيح الحقيقي .
التوجه نحو عمل نشاطات علمية وثقافية متنوعة الهدف منها تحقيق جدوى علمية وثقافية واقتصادية حقيقية ومثمرة وليس مجرد نشاطات باردة تفتقد لأي مقومات علمية وهذا يدعو الوزارات والمؤسسات التعليمية للمراقبة الحقيقية ودعم الناجح منها ومحاسبة التقصير فيها ان وجد .
اختيارات ادارات علمية وادارية كفوءة وتمتلك خبرة في الجودة والاداء المؤسساتي وليس مجرد كونها متفوقة علميا .
الاهتمام باللجان التي تقوم بتشكيل واعداد المناهج الدراسية ومنحها حرية كاملة بل توفير غطاء امني لها لقيام واجبها بشكل واضح وصحيح .
اقامة العديد من الندوات والدعوات الى نشر الوعي الثقافي والعلمي لضورة عزل التعليم عن النزاعات السياسية والعقائدية وعلى الاعلام ان يأخذ دوره في ذاك .