إصلاح التعليم في المغرب: الإصلاح غير المرغوب فيه

0 210

إصلاح التعليم في المغرب: الإصلاح غير المرغوب فيه؟

 د. بوجمعة وعلي، أستاذ محاضر مؤهل      

المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال خنيفرة/ المغرب

ظل خطاب إصلاح المنظومة التربوية في المغرب منذ الاستقلال وإلى الآن، هو الخطاب الأكثر تداولا في دهاليز السلطة وصالونات النخبة السياسية والثقافية والاقتصادية، ومنتديات نساء ورجال التعليم، وفضاءات الطبقات الشعبية.

فإصلاح التعليم الذي أقيمت له عشرات المؤتمرات والندوات والملتقيات، وسطرت له العديد من المشاريع والمخططات، واختيرت له كثير من اللجان الملكية والوزارية، وصرفت من أجله ملايين الدراهم، حتى اعتبر من الأولويات الاستراتيجية للدولة بعد الوحدة الترابية.

ورغم كل هذا، بقي وضع هذا التعليم سيئا كما كان، بل يزداد سوءا سنة بعد سنة وبعد كل مشروع إصلاح، ينتج البطالة والعطالة كما هو ظاهر للعيان، ولا يلبي حاجات الدولة من الأطر التقنية المتخصصة كما تدعي الجهات الرسمية، ولا يجيب على الأسئلة الحارقة لتنمية أصبحت تقوم على اقتصاد المعرفة أكثر من أي نوع آخر، ولا يلبي طموحات الشعب في النجاح وتحسين الوضع المادي والترقي الاجتماعي كما كان وكما هو منتظر.

وعليه نتساءل كما يتساءل كثير من الباحثين وصناع الرأي والفكر والسياسة في بلادنا:

هل إصلاح التعليم في المغرب مشروع استراتيجي للدولة، نابع من قناعة واعية ورغبة صادقة في تطوير المنظومة التربوية باعتبارها رافعة للتنمية والتقدم؟ أم أن المخططات والمشاريع الإصلاحية المتتالية هي مجرد تكتيكات تسعى إلى ربح الوقت وخلط الأوراق وتعميق الأزمة، وتعميم الفشل، وإفقاد الثقة في مكونات المنظومة، للإبقاء على الوضع كما هو مهلهلا، تلبية لرغبة جهات داخلية وخارجية تستفيد من هذا الفشل التعليمي والتربوي؟.

معظم المعطيات والتقديرات والتحليلات تذهب إلى أن الدولة ونخبها الحاكمة، لا تريد إصلاحا حقيقيا لمنظومة التربية والتعليم رغم إدراكها العميق لنقط ضعفها وأسباب فشلها، وهو الأمر الذي يبدو واضحا في تقرير الخمسينية، وتقارير المجلس الأعلى للتعليم وخاصة تقرير 2008، وكثير من التقييمات التي خضع التعليم … وذلك لاعتبارات كثيرة نذكر الواضح والصريح منها:

– التغيير المستمر وغير المفهوم لوزراء التعليم ببلادنا، حيث وصل عدد وزراء التعليم منذ الاستقلال (1956م) إلى الآن حوالي 34 وزيرا بمعدل وزير كل 22 شهرا، وهذا دليل واضح على غياب الإرادة السياسية للإصلاح. فهل يعقل أن يتم إصلاح قطاع التعليم أو أي قطاع آخر بمثل هذه التغييرات المستمرة والمفاجئة في كثير من الأحيان لوزرائها.

– تعدد محاولات الإصلاح وتنوعها؛ حيث وصلت منذ الاستقلال حتى اليوم 14 إلى محاولة توزعت بين مخططات ومناظرات ولجان ملكية… .

– التسرع في تنزيل سياسة التعريب رغم عدم توفر شروط نجاحها، مما عجل بفشلها أو بالأحرى إفشالها ليتم التراجع عنها سريعا، ويستقر الأمر على تعريب التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والإبقاء على التعليم العالي مفرنسا في الشعب العلمية والتقنية، وهو ما خلق حالة ازدواج في لغة التدريس لا مثيل لها في كل التجارب التعليمية في العالم، فكانت النتيجة المباشرة هي مغادرة عدد كبير من الطلبة لأسوار الجامعات دون الحصول على أي شهادة.

– ازدواجية السياسة اللغوية والتعليمية في مسالة اللغة، بين لغات وطنية رسمية (العربية والأمازيغية) مهمشة في كل مناحي الحياة الاقتصادية والتعليمية والإعلامية والبحث العلمي وفي الفضاءات العامة والخاصة، ولغة أجنبية (الفرنسية) تحظى بالأولوية في كل القطاعات والمجالات الحيوية.

– الخلط المتعمد بين لغات التدريس وتدريس اللغات، وبين لغة الهوية ولغات الانفتاح، وتجاهل أن لغات الوطن أيا كانت درجة ضعفها، هي اللغات التي يجب أن تكون لغات التدريس في كل التخصصات بما فيها العلمية والتقنية، بينما اللغات الأجنبية أيا كانت درجة تطورها وتفوقها هي لغات للانفتاح على العلوم والمعارف والثقافات الأخرى. وهناك دول لا تصل لغتها إلى مستوى اللغة العربية من حيث حمولتها الحضارية وعدد الناطقين بها كالسويدية والهولندية والبولونية ومع ذلك نجد السويدي والبولوني والهولندي يعلم ويتعلم بلغته، ويعتز ويتشبث بها، وفي نفس الوقت يتعلم اللغات الأجنبية الأخرى التي تساعده على الانفتاح.

– غياب تخطيط لغوي يحدد وظائف اللغات وأدوارها في ظل تعدد لغوي غير حقيقي رغم واقعيته، لأنه من مخلفات السياسة الاستعمارية.

– سن نظام العمل بالعقدة وما شابه ذلك في مجال التدريس رغم غياب شروط ضمان الحريات والحقوق، مما يهدد الأمن الوظيفي والاستقرار النفسي والاجتماعي للمدرسين، مما سينعكس تلقائيا على مردوديتهم وفاعليتهم التربوية والتعليمية.

هذه العناصر وغيرها، تدل بوضوح تام على غياب الإرادة السياسية لدى الدولة ونخبها الحاكمة في إصلاح قطاع حيوي لا بديل عنه في أي نهوض أو تنمية محتملة.

هذا الفشل لمنظومة التربية والتعليم في بلادنا له مظاهر متعددة، من بينها:

– احتلال المغرب للمراتب المتأخرة في التصنيفات الدولية والعربية لجودة النظام التعليمي وجودة مؤسسات البحث العلمي.

–  الضعف المهول في البنية التحتية لدى كثير من المؤسسات التعليمية وخاصة في المجال القروي وشبه القروي يصل إلى حد غياب المرافق الصحية.

– انتشار ظاهرة الاكتظاظ في التعليم العالي والتعليم الثانوي والإعدادي، والأقسام المشتركة في التعليم الابتدائي رغم المجهودات التي بذلتها الدولة في السنوات الأخيرة.

– ضعف ميزانية البحث العلمي؛ حيث لا تتعدى % 0.8 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، في حين تصل مثلا إلى: % 4 في كوريا، و% 4.7 في إسرائيل، و3 % في تركيا… .

– ضعف أو غياب توظيف التكنولوجيات الحديثة في التدريس، رغم الشعارات التي رفعتها الوزارة الوصية على القطاع.

– غياب الإنترنت عن معظم المؤسسات التعليمية، وخاصة في العالم القروي.

هذه الأمور وأخرى، أبقت المنظومة التعليمية التي كانت على مدى التاريخ محركا للنهضات الحضارية والثورات العلمية والفكرية والثقافية والاجتماعية، غارقة في فشلها وتخلفها، مكرسة للتبعية اللغوية والثقافية والاقتصادية… كمظهر بارز للتخلف الحضاري الذي تعيشه الأمة بشكل عام وبلادنا بشكل خاص.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.